حرب اقتصادية عالمية
شهد هذا الأسبوع، أحداثاً عديدة، مهمة وذات دلالة على أن العالم يتجه نحو هاوية اقتصادية، مردها خلل جوهري في هيكل الاقتصاد العالمي من جهة، والعملية الخاصة التي أطلقتها روسيا في أوكرانيا.
فمن جهة، تواصل الإدارة الأمريكية، بشكل متكرر حربها الاقتصادية، وقد تبعها في هذا النهج، معظم دول أوروبا الغربية، واليابان وعدد من بلدان العالم. وقد بدأت تأثيرات ذلك في عدم قدرة المديونين، على سداد قروضهم، بما يهدد بعودة شبح أزمة الرهن العقاري، عام 2007، والتي ألقت بظلال كئيبة، على الاقتصاد العالمي بأسره.
وما يضفي على الأزمة الراهنة صفة الحرب الاقتصادية، أنها ليست نتاجاً لخلل في الهياكل الاقتصادية فحسب، بل أيضاً نتاج الحرب الاقتصادية التي شنها الغرب، بزعامة إدارة الرئيس الأمريكي بايدن، على روسيا، والتي تعاملت معها إدارة الرئيس الروسي، بوتين بذكاء، أحال العقوبات، إلى فرصة لتصدير الأزمة للخارج، وأيضاً اعتبارها فرصة لتطوير اقتصادات بلاده؛ بحيث أدت كما أشرنا في مقال سابق، إلى انقلاب السحر على الساحر.
التطور الأهم في هذا الأسبوع، هو الموقف الصيني، تجاه قضية تايوان. والحدث الأول في هذا السياق، هو صدور مرسوم رئاسي يعنى بكيفية إدارة الحروب الداخلية، بما يضمن سلامة الأمن القومي، لجميع الأراضي الصينية. وقد أشار عدد من المحليين السياسيين، والقنوات الفضائية، وعلى رأسها قناة RT الروسية، إلى أن صدور هذا المرسوم، يعني وجود نوايا صينية واضحة لاستعادة تايوان، ويعزز من وجهة النظر هذه صدور أمر رئاسي آخر، يرفض اعتبار المياه العازلة بين البر الصيني، وتايوان، مياهاً دولية، ويصر على أنها مياه إقليمية، يتطلب الإبحار الأجنبي فيها، موافقة من الحكومة الصينية.
وقد تزامن هذا التطور، مع حديث عن علاقة استراتيجية بين الصين وروسيا، أكدتها تصريحات الرئيس الصيني، شي جين بينغ في كلمة ألقاها عبر الفيديو في منتدى سان بطرسبرغ الاقتصادي، أعلن فيها رفع مستوى العلاقة الاستراتيجية مع روسيا، تشمل إزالة العوائق التجارية، وتأمين سلاسل الإمداد العالمية، لافتاً إلى أن حجم التبادل التجاري معها منذ بداية العام بلغ 65 مليار دولار.
وعلى الرغم من أن الأحداث التي أشرنا إليها، هي تحدٍ مباشر وواضح للسياسة الأمريكية، التي تعتبر بقاء جزيرة تايوان، دولة مستقلة، خطاً أحمر، وتفرض عقوبات قاسية، وغير مسبوقة على روسيا، لكن الملاحظ هو عدم وجود ردود أفعال كبيرة، من قبل أمريكا وحلفائها الغربيين تجاه التصريحات الصينية الأخيرة. وربما يعود ذلك، إلى إدراك هؤلاء القادة، بأن أي خلل في العلاقة الراهنة بين الغرب والصين، من شأنه أن يزج بها في صراع غير متكافئ مع الصين وروسيا في آن معاً، يكون الغرب هو الخاسر فيه. لكن ذلك لم يحل دون ملاحظة الغرب لتطور الموقف السياسي الصيني، تجاه روسيا؛ بحيث بات موقف البلدين، من الأحداث الجارية على مستوى العالم، يكاد يكون متطابقاً.
وباعتقادي، فإن الأيام القادمة ستشهد تطورات دراماتكية، في موقف الصين تجاه تايوان، قد يرقى إلى مستوى فرض حصار بحري وجوي بحقها، في تحدٍ واضح للولايات المتحدة.
ومن جهة أخرى، يلاحظ تبدلاً واضحاً في الاستراتيجية الروسية تجاه الحرب في أوكرانيا. فلم تعد تهتم كثيراً باجتياحات واسعة وكبيرة، للمدن الأوكرانية، كما كانت في الأيام الأولى للحرب. بل إن روسيا، حتى فيما يتعلق باستكمال احتلال إقليم دونباس، وبقية المدن المستهدفة، مثل ميكولايف وخاركوف وإوديسا، لم تعد في عجلة من أمرها.
لقد وجدت روسيا، في طول أمد الحرب، فرصة لإعادة توجيه الأزمة الاقتصادية للغرب. وباتت في الأيام الأخيرة، هي من يتحكم في أوراق اللعبة، وتفرض العقوبات على الدول التي تصنف بغير صديقة، وتمنع تصدير الغاز والنفط، لهذه الدول.
ولعل قراءة البيانات العسكرية، التي تصدر من القيادة الروسية، بشكل يومي، تؤكد حقيقة ما توصلنا إليه. فهذه البيانات، تشير إلى استخدام محدود جداً للأسلحة التكتيكية، والفرط صوتية، على الرغم من امتلاك روسيا ترسانة هائلة من هذه الأسلحة، وفي قدرتها حسم الحرب بأمد قصير. بما يشي أن روسيا باتت تعتمد سياسة إطالة أمد الحرب، كونها باتت إحدى أسلحتها الفاعلة في الحرب الاقتصادية المعلنة، بينها وبين الغرب.
ما نمر به، ليس أزمة اقتصادية عالمية عابرة، بل حرب عالمية اقتصادية، ستتسبب بمجاعات وكوارث اقتصادية، وربما نتج عنها انقلابات عسكرية وحروب أهلية، في البلدان التي ليس بمقدورها التعامل بكفاءة مع هذه الأزمة. وما لم تتعزز نوايا السلم والاعتراف بالحقوق القائمة على الندية والتكافؤ بين الدول، وإلا فليس أمام البشرية سوى الطوفان.