أزمة اقتصادية عالمية حادة
قبل أكثر من ثلاث سنوات، واجه العالم بأسره، وباء كورونا، الذي تسبب بوفاة أكثر من 6 ملايين من البشر، وأدى إلى تراجع حاد، غير مسبوق منذ عدة عقود بالاقتصاد العالمي. ولم يكد العالم يتنافس الصعداء، بسبب تراجع الوباء عن بقاع كثيرة من كوكبنا الأرضي، حتى بتنا نواجه أزمة اقتصادية أكثر حدة، نتجت عن العقوبات الاقتصادية بحق روسيا الاتحادية، نتيجة إقدامها على شن الحرب، ضد أوكرانيا، والتي أقدمت على فرضها إدارة الرئيس الأمريكي جوزيف بايدين، وتماهت البلدان الأوروبية معها. وكان من نتائج تلك العقوبات، أن العالم بأسره يمر الآن بأزمة اقتصادية حادة لم نشهد لها مثيلاً منذ أكثر من أربعة عقود.
ولما كان حديثنا هذا مهتم بالأزمة الاقتصادية الحادة الراهنة، التي نتجت عن فرض العقوبات على روسيا الاتحادية، فلن نتطرق إلى الأزمة الاقتصادية التي نتجت عن الوباء؛ بل سنركز على الوضع الاقتصادي الراهن.
اللافت إلى النظر، في قراءة ما يجري، أن المقاربة الموضوعية بين الاقتصاد الأمريكي، واقتصادات أوروبا من جهة، وغريمها الروسي من جهة أخرى، هي بكل المقاييس، حتى هذه اللحظة لصالح روسيا، على الرغم من أنها المستهدفة بالعقوبات التي فرضت من قبل أمريكا وحلفائها.
الأزمة الراهنة في أساسها، تعود للحصار الذي فرضته الولايات المتحدة على روسيا، وبشكل خاص على الغاز والنفط. وتزامن ذلك مع انقطاع القمح الذي تنتجه روسيا وأوكرانيا، عن الأسواق العالمية، إما بسبب قرارات الحصار، أو بسبب صعوبة إبحار سفن النقل إلى الموانئ الأوكرانية، عبر البحر الأسود، نتيجة زرعه بالألغام من قبل حكومة أوكرانيا.
فوكالة الصحافة الفرنسية، على سبيل المثال، تشير إلى أن أمريكا تعاني تضخماً متسارعاً تجاوز قرابة 9 في المئة سنوياً، بحسب مؤشر أسعار الاستهلاك الذي أصدرته وزارة العمل يوم الجمعة الماضي. وقد دفع ذلك الرئيس بايدن لمخاطبة الكونغرس الأمريكي، طالباً المساعدة على إبطاء حالة التضخم، داعياً إلى أن يتبنى الكونغرس، سريعاً ما يمنع شركات الشحن البري من تضخيم الأسعار، مذكراً بأن تخفيض حالة التضخم ستكون من أولويته الاقتصادية في الأيام القادمة. والأسوأ بالنسبة للرئيس الأمريكي، أن أزمة التضخم هذه، تأتي قبل بضعة أشهر، من استحقاق انتخابي مفصلي، يطال قسماً كبيراً من أعضاء الكونغرس، ويهدد بخسارة الحزب الديمقراطي، لحضوره القوي فيه.
كما حمل خطاب بايدن هجوماً واضحاً، على الشركات النفطية الأمريكية، التي اتهمها باستغلال الصعوبات الناجمة عن الحرب في أوكرانيا، ذريعة لمفاقمة أوضاع العائلات، من خلال جني أرباح مفرطة، ورفع الأسعار، والإضرار بمصالح الناس.
أما عن سوء الأوضاع الاقتصادية في أوروبا، فحدّث ولا حرج. فبريطانيا تعلن صراحة، أنها على أبواب مجاعة، بسبب ارتفاع الأسعار، وندرة القمح. وبولندا، التي استقبلت النازحين الأوكرانيين في الأيام الأولى للحرب، بالترحاب باتت تضيق ذرعاً بوجودهم، على أراضيها، وبلغ الأمر بحكومتها، حد تقليص المبالغ التي خصصت سلفاً لهم. وحال الدول الأوروبية الأخرى، ليس أفضل من ذلك بكثير على أية حال.
ويوضح تقرير صادر عن صحيفة «وول ستريت»، أن ما تكبدته الشركات العالمية، جراء تعليق أنشطتها في روسيا الاتحادية، قد تجاوز ال 59 مليار دولار، بناء على معلومات عامة ووثائق مالية للشركات.
وإذا كان ذللك، هو وضع البلدان الصناعية المتقدمة، فما بال أوضاع الدول الفقيرة في آسيا وإفريقيا، وأمريكا اللاتينية، التي كانت تعاني قبل هذه الحرب أزمات اقتصادية واجتماعية مستعصية.
روسيا، وحدها هي المستفيدة حتى الآن من العقوبات التي فرضتها إدارة بايدن عليها، وذلك ما أكده الرئيس بوتين، بأن بلاده ستوفر في نهاية هذا العام، قرابة تريليون روبل، جراء تمسكها بأن تكون مبيعات صادراتها للدول التي تقف ضد سياساتها بالعملة الروسية، وليس بأي عملة أخرى، من العملات الصعبة. وأوكرانيا، حليفة الغرب، تلحق الضرر بحلفائها، من خلال رفضها نزع الألغام المزروعة بالبحر الأسود، بما يعني، غياب أي إمكانية عملية لتصدير منتجاتها الزراعية للخارج.
وفي ذات السياق، يوضح تقرير للبنك المركزي الروسي، أن تأثير العقوبات المفروضة على روسيا، هي أقل بكثير مما كان متوقعاً. ومن السابق لأوانه، الحديث عن تأثير العقوبات. ويوضح التقرير ذاته، أن أسعار الفائدة، قد عادت إلى مستويات ما قبل الحرب.
هل هو مكر التاريخ، أم أنه سوء إدارة الأزمة من قبل الغرب، هو الذي جعل السحر ينقلب على الساحر.