آخر تحديث: 27 / 4 / 2024م - 1:39 ص

شيخ الشعراء.. محمد سعيد الخنيزي

محمد الحرز * صحيفة اليوم

الأديب محمد سعيد الشيخ علي الخنيزي، الذي قاربت حياته على قرن من الزمن، فهو المولود عام 1925م.

ولا شك فهو من الشخصيات البارزة في الأدب والشعر والثقافة والتاريخ في مدينته القطيف، وفي وطننا الغالي والخليج، وهو أيضا من الجيل الشعري الذي ناضل وكافح شظف العيش، وصعوبة الحياة، ومرارة الأيام، ورغم ذلك، فقد سطر هؤلاء أروع الأمثلة في السعي والمثابرة في تحقيق الذات عن طريق الإبداع والكتابة والرغبة في التزود بالعلم، لذلك ساهموا في ترسيخ الأدب في السعودية، وفي ترسيخ مؤسساتها، والتأثير على أجيال لاحقة بنتاجهم الأدبي وثقافتهم المتنورة كالشاعر حمزة شحاتة، محمد سعيد العمودي، عبدالله بن خميس، طاهر زمخشري... إلخ، وبالطبع شيخنا وأديبنا محمد سعيد الخنيزي هو من المساهمين أيضا في ترسخ هذا الأدب وتجديده، رغم معاناته مع المرض الذي ذهب ببصره وهو في سن السادسة من عمره.

لكن شغفه بالمعرفة ورعاية والده له، جعل من التحدي والصبر عنوانا له في حياته، فلم يكن المرض يمثل عائقا له، وإن كان قد ترك في نفسه حسرة ومرارة لم يستطع صرفها إلا من خلال الكتابة، خصوصا الشعر.

كنت أتصفح بعض نتاجه المطبوع، الذي تفضل بإهدائه لي كلٌّ من الأخ عصام الشماسي والأخ محمد أبو المكارم، ثم أخذتني عوالمه الإبداعية المتنوعة، وكان السؤال الذي يشغل بالي أثناء تصفحه ومن ثم قراءته هو: إذا كانت حياة مبدع بهذا العمر المديد، كشاهد على تحولات اجتماعية وأدبية وحوادث كبرى، فلابد أن تكون حياته ذاكرة تاريخية، لا غنى عنها للأجيال اللاحقة وعن أهميتها من باب التواصل ومن باب معرفة الجذور الاجتماعية والثقافية والتاريخية للإبداع ذاته، فلماذا غابت عنا كجيل مثل هذه الذاكرة، ولماذا لم يتسن لنا أن نقف على أبرز معالمها؟

قد يكون صحيحا أن الأديب محمد سعيد الخنيزي كان مجلسه عامرا بالأدباء والمثقفين والعلماء، وكان طيلة عقود ثمانية لم ينقطع مجلسه، ولم يتوقف، وكان يعد من أبرز المجالس المؤثرة في المنطقة، وهذا الأمر مما يتيح تبادل التأثير والتأثر بين الأجيال، في شتى صنوف المعرفة، فالمجالس والصالونات الأدبية على قرار الصالونات الكبرى في مصر والشام والعراق كانت مراكز للتنوير وإشاعة المعرفة.

وصحيح أيضا أن هذه المجالس تتيح من خلال الممارسة الشفوية تبادل الخبرات بين الحضور، ومن أجيال متعددة، إلا أن الخبرات الشفوية سرعان ما تتلاشى وتذهب للنسيان، إذا لم يكن هناك توثيق أو أرشيف مكتبي قائم على تحويل ما هو شفوي في حياة المبدع أو الكاتب إلى مكتبة فيها فضاء من الدرس الأدبي بجانب الاجتماعي والتاريخي والثقافي.

ما الذي يدعوني أقول هذا الكلام؟

لقد لفت انتباهي من بين نتاجه سيرته الذاتية، التي عنونها «خيوط من الشمس، قصة وتاريخ»، والتي جاءت في مجلدين، وإن كنت لست متخصصا في السيرة الذاتية، إلا أن أولى الملاحظات التي تصادفها وأنت تقرأ السيرة ميله إلى تأريخ المجتمع القطيفي: عاداته وتقاليده وطرق تعليمه والسبل التي كان يتطلبها في عيشه وأبرز المحلات والأماكن والعلاقات، التي كانت تقوم بين الأسر... إلخ، فيما هو في نفس الوقت يسرد محطات مهمة في حياته الأسرية والعلمية والاجتماعية.

ورغم بساطة السرد والتناول السهل للأحداث إلا أن الانطباع، الذي تخرج به، هو قدرة الذاكرة في السيرة على رصد الأحداث وكتابتها حتى إن كانت بطريقة شفوية.

أليس على الجيل الحالي من أبناء المنطقة أن يلتفت إلى هذا السارد ببصيرته الشفوية كي يتم تحويله إلى مكتبة، ويكون هم الساردون لها بالتأمل والكتابة؟