آخر تحديث: 26 / 4 / 2024م - 1:20 م

كانت نقوش الحناء على يديّ

ليلى الزاهر *

ابتسامتها عذبة، تجلس بهدوء بجانبها طفلتها الأنيقة في كلّ شيء، تحسبها آلهة الأمل هكذا وصفتُها فيما بعد.

أغلقتُ عينيّ قليلًا لأتصور مهنتها التي جعلت صوتها مبحوحًا، ربما كانت معلمة أو مربية فنحن المعلمات نواجه صعوبة الاحتفاظ بأحبالنا الصوتية سليمة على مدار العام.

كنتُ أراها لأول مرة في منزل صديقتي، لكنني تمنيتُ لقاءها بعد ذلك مرارًا وتكرارًا أتعلمون لماذا؟ لأنها معجزة الله في أرضه.

اسمها فاطمة ولكن الله تعالى فطمها عن اليأس سأروي لكم أحداث حياتها.. عفوا هي ليست أحداثا بقدر ما هي فنون من الأمل، كانت تحت عناية الله تعالى وتولاها سبحانه وتعالى بالرعاية وتعهدها بقدرته وبثّ فيها الحياة مرتين.

بصوتها المبحوح الجميل الذي عشقت سماعه مرات ومرات عديدة حدثتني عن الأوقات العصيبة التي كادت تنهي حياتها،

سوف أترككم مع فاطمة وهي تروي لكم طرفا يسيرا من حياتها:

انتهت مراسيم حفل زواجي، كنتُ عروسًا سعيدة أحببتُ زوجي كثيرًا وبادلني نفس المشاعر، وقد عرفتُ فيما بعد بأن زوجي يكنّ لي شيئًا لا يمكن أن تصفه بالحب هو فوق الحب والاهتمام والتقدير.

في ذلك اليوم قررنا أن نخرج سويّا ارتديت عباءتي وركبت السيارة بجانب زوجي، كنت أنظر لنقوش الحناء التي تزين أطراف أصابعي مغرمة بها ولم أنتبه إلا لتلك السيارة التي اجتازت جسدي الضعيف واستقرت عند رقبتي.

مرّت الأوقات عصيبة جدا واتّخذ شهر العسل اتجاهًا معاكسا بعيدا عنّي، لقد اختار لي القدر أن أكون على السرير الأبيض في غيبوبة تامة استمرت أكثر من أربعة أشهر.

يا لهذا الحادث الذي دمرّ أحلامي، كنتُ أظنّ أن الحياة انتهت، خاصة بعد إصابتي بشلل نصفي. وبعد تلك الغيبوبة جلست في العناية الفائقة الكبرى ثم الصغرى، وبدأتُ رحلتي العلاجية، اعتقدتُ أن هذه النهاية ولكن لطف الله شملني وعنايته غمرتني وعلى الرغم من حديث ذلك الطبيب الذي قال لي بحدّة:

بكل أسف لن تستطيعي التّحدث مرة أخرى، ولن... لكنني لم أسمع بقية أراجيزه الحمقاء.

أنا فاطمة، أنا معجزة الله في هذه الأرض الرحيمة. لم يفت الوقت بعد وهناك بدايات جديدة فما زلت في مقتبل عمري، نعم كنتُ أسمع صوتًا يتردد في صدى أعماقي: لن تحدك حدود وسوف يساندك زوجك.

أيها الطبيب أغرب عن وجهي لا شأن لك بي إن معي ربي سيشفيني.. وما دواؤك إلا وسيلة مُسخّرة لي من خالقي.

بدأت أتماثل للشفاء شيئًا فشيئا وبدأت بالحركة، اختفى الشلل واختفى الألم وعاد صوتي مكبوتا حزينا

لكل فعل ردة فعل مساوية له في المقدار ومضادة له في الاتجاه، هكذا تعلمت في المدرسة ونيوتن أصدق من مستشفياتهم

حملتُ بطفلي الأول وكنت سعيدة جدا تحوّل الحلم إلى حقيقة، تحولت اللحظات المؤلمة إلى جبال هائلة من الإيجابية، ردة فعلي كانت أعظم من أن أصفها بكلمات، وخاب ظن نيوتن مرة أخرى.

مهلًا لا وقت للحزن لقد أنجبت ابني الثاني وأعقبتهما طفلتي الثالثة.

رحلتي العلاجية كانت تنزل من السماء والله سبحانه يراني في تقلبي في الساجدين أسجد شكرًا له.

كانت لي رؤية خاصّة في الحياة، حياة مُسددة بعين الله تعالى، ملؤها الرضا واليقين بغدٍ أجمل، فالثقافة السوداء للحياة تحجب نور السماء، واليقين الذي يغمر قلبي يقينًا صادقا،

أنا أتحدّث بصوت جميل هكذا أسمعه ويسمعه جميع من يحبني، وأقطفُ حبّ أولادي، أساند نفسي، ويسندني زوجي لأنه الأمان لي بعد الله تعالى

لا أقف عن تكرار هذا الابتهال الشخصيّ:

‏غدًا أجمل، غدًا أكثر ابتهاجًا.

‏إلى أنّ تجف الأقلامُ وتُرفع الصحف

‏شكرًا لك ربي.

‏ «وآخر دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ»

فاطمة يا محور الكون عند من آمن بك، أيتها العزيزة عسى الله أن يمنحك حياة جميلة جديدة بقدر إيمانك وابتهالاتك الصادقة.