آخر تحديث: 31 / 10 / 2024م - 8:43 ص

عالم صغير منكمش!

الدكتورة زينب إبراهيم الخضيري * صحيفة الرياض

الإنسان بطبيعته كائن اجتماعي يحب التفاعل على جميع الأصعدة، حتى أنه يسعى دائماً لتوسيع شبكة علاقاته الاجتماعية ليحس بالانتماء وأحياناً بالنجاح، ومع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي كنا نظن أن علاقتنا ستكون أوسع وأكبر إلا أننا وجدنا انفسنا في دوائر صغيرة وعالم منكمش من حولنا، وهذا العالم الصغير الذي ولد من خلال شبكات التواصل الاجتماعي والذي تنبأت به دراسة عالم النفس ستانلاي ميلغرام ”مشكلة العالم الصغير“ 1967م.

أننا في النهاية ننكمش ونصغر، فالحياة بتشابكها وسرعتها تدفعنا إلى التراجع، والتعامل مع البشر مجهد ومتعب ولكن أن تفتح شهيتك للتعامل مع الآخرين والتفاعل معهم هو أمر مهم ولكن طبيعة حياتنا وراء الأجهزة والتعامل والحوار من وراء حجاب جعلتنا أكثر انعزالاً وأضيق مجتمعاً.

والمجتمعات الصحيّة هي التي تنظر إلى الفرد كوحدة مستقلة، وككيان قائم بذاته من فكر وقرار وتصرف، وعندما نندمج في الجماعة تصبح الحياة أصعب قليلاً ولكن في وجود قانون اجتماعي تتنظم العلاقة بين الأفراد، إلا أن المجتمعات التي لم تبنِ على فكرة الكينونة والفردية والحدود مع الآخر في ظل وجود القانون فإنها لها سلوكيات وممارسات مختلفة، منها أنها لا تقبل الاختلاف، ولا ترحب بالتغيير وفكرة قبول الآخر، فالآخر هو تهديد لكيانها وتبدأ عملية التصنيف والتعنصر، والتعامل مع الآخر كما لو كان هو من اختار أهله أو جماعته أو جنسه ولونه، وفي ظل هذه العقلية المفخخة بالكثير من المسلمات والمعتقدات ينزلق المجتمع نحو مستنقعات العنصرية فيمارسها المجتمع ضد بعضه البعض، وهذا ما يحدث الآن في وسائل التواصل الاجتماعي في غياب قانون يحكم تصرفات الأفراد وينظم الحدود بين المقبول وغير المقبول أصبحنا نتحسس الانفلات والتعصنر، فالبعض هجر وقاره وصار يبحث عما يؤكد وجوده كإنسان عبر تعديه وانفلاته من كل الحدود والأخلاقيات، لذلك تربية أبنائنا على القيم واحترام حدود الآخر وأن الاختلاف هو أساس التوازن في الحياة فلا يعني اختلافك عني أنك خطأ يجب بتره..!

وفي وسط هذا العالم المتلاحق السريع الذي يعمل بدقة واجتهاد أصبحنا نحن المختلفون، ربما هذا يستوجب إعادة التفكير في مناهجنا التعليمية وسلوكياتنا المجتمعية وإضافة مادة الأخلاق والعمل على الأنشطة التي تعلم الطفل كيف يتعامل مع الآخر وكيف يعرف حدود حريته، فالانضباط الأخلاقي إذا عمّ سينتقل حتماً من حياتنا الواقعية إلى حياتنا الافتراضية.