آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 11:39 م

تمنيّات ما بعد كورونا!!

أمير بوخمسين

عشنا خلال الفترة الماضية بما يسمى مرحلة كورونا التي لم تترك أحد من البشرية إلا وتأثر بها، فمن الناحية الصحية والاجتماعية والاقتصادية تأثر العالم، وتوقفت كافة المشاريع الكبيرة والصغيرة في كافة ربوع الكرة الأرضية، ومن الناحية السياسية والاجتماعية، تم فرض الكثير من القيود والإجراءات من أجل الحد من انتشار هذا الفيروس الذي تحوّل فيما بعد إلى جائحة تم تصنيفه عالميا من قبل منظمة الصحة العالمية وباء.

جميع دول العالم ولأول مرة تتحد في مواجهته، كل حسب طريقته في اتخاذ الإجراءات المناسبة التي تناسب وطنه ومجتمعه. فأصبحت المجتمعات مقيّدة في حركتها، وتنقلّها، ولا يستطيع أحد أن يتجاوز أي بروتوكول أو قرارات إدارية لضبط الوضع الصحي للحد من انتشار هذا الوباء.

فتوقفت الحركة الاقتصادية، وتجمدت حركة الطيران، وتوقفت مداخن المصانع عن العمل، وتم تسريح الكثير من الموظفين في الكثير من الشركات في العالم، ودخل العالم في حالة ركود اقتصادي أقوى من تلك الأزمة التي ضربت الأسواق العالمية في نيويورك عام 1929، إضافة إلى السماح للعاملين وموظفي الشركات بالعمل في منازلهم، منعاً للاختلاط والحد من انتشار العدوى، وقدّرت خسائر كورونا وتأثيرها على الاقتصاد العالمي، بحسب مقال منشور على موقع صندوق النقد الدولي الإلكتروني بأنه منذ مارس 2020 أنفقت الحكومات 16 تريليون دولار لتقديم الدعم المالي أثناء الجائحة، وزادت البنوك العالمية المركزية على مستوى العالم ميزانيتها العمومية بقيمة مجمعة قدرها 7,5 تريليون دولار.

أما على الصعيد الإعلامي تحولت كافة وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة إلى نشرة أخبار عن الوباء متصدرا نشرات الأخبار عبر مختلف الوسائل في مختلف الأوقات والأماكن. وكأن العالم وصل إلى حافة الانهيار.

هذه التداعيات والتبعات التي تركها هذا الوباء على العالم، والتي لم يسلم منها شعب أو مجتمع أو عائلة إلا وترك فيها ندباً لا يمكن نسيانه، وسوف تبقى سنوات «كورونا» في الذاكرة الإنسانية راسخة ومتجذّرة في عقول البشرية والضمير الإنساني، من الصعب نسيانها، كسابقتها من الأزمات والأوبئة التي مرّت على البشرية والعالم.

نحن في مجتمعنا السعودي حدث لدينا تغيير في سلوكنا الاجتماعي وتصحيح في عاداتنا وتقاليدنا الاجتماعية بسبب كورونا. فالأزمات تعطينا دروساً في التفكير ومراجعة حساباتنا وأمورنا في مختلف القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

فمن العادات الاجتماعية التي كانت سائدة في المجتمع، التكلّف والإسراف في الدعوات بمختلف أشكالها، سواء في الأعراس أو الولائم أو الدعوات الشخصية وهذه كانت مُبالغ فيها بحيث تتحول إلى إسراف وتبذير، في أثناء الأزمة ونتيجة للإجراءات والاحترازات التي فرضتها الدولة بتقنين الأعداد في المناسبات سواء في الزيجات أو العزاء والالتزام بعدم التقارب وبدون مصافحة، وتأدية الواجب بسهولة وخفّة بدون تكلّف يثقل ظهر أصحاب الزواج أو أهل العزاء، والاكتفاء بإرسال الرسائل عبر الواتس آب والحضور العددي المعتدل.

كذلك نظام التباعد في الطوابير وخلق المسافات المطلوبة والالتزام بالعادات الصحية من لبس الكمامة في المواقع المغلقة. أما في الجانب الاقتصادي، فأصبحت الأسرة تقوم بترشيد نفقاتها بعيد عن الهياط، هذا على الصعيد الشخصي، أما على صعيد الأعمال، فكانت فكرة الدوام عن بُعد لم تكن متعارف عليها ومعتمدة في قاموس الأعمال العامة والخاصة. إلا أن هذه الظاهرة أصبحت عالمية، ولعل الإحصائيات من خلال رصد الإنتاجية للعاملين في العالم من خلال منازلهم تشهد لهم.

فقد أظهرت الجائحة أن العمل عن بعد تعزز مرونة العمل وزيادة استخدام التكنولوجيا إلى أقصى حد. وذلك من أجل وقاية وحماية صحة العمال ولضمان استمرارية الخدمات العامة. دراسة أجرتها شركة أميركية متخصصة في اتجاهات العمل والإنتاجية في العام 2019 الماضي وتناولت 1004 موظف وموظفة «505 منهم يعملون من خارج مكاتب الشركة» تبين بوضوح أن الذين يعملون عن بعد هم أكثر إنتاجية من الذين يعملون في مكاتب الشركة.

ونحن في نهاية الجائحة، أتمنى أن نستفيد من دروس هذه الأزمة وأن نلتزم بالإرشادات الصحية الصادرة عن وزارة الصحة والجهات الرسمية.