لكم جسد واحد فاعتنَوا به!
يصرف لنا الله من خزانته حين يخلقنا جسدًا واحدًا، لا غير. هذا الجسد يتكلم معنا وعلينا أن نصغي إليه ونسمعه ولا نحتقر صوته إذا ارتفع. في مدة استعمال الجسد نحرص على أفضل الغذاء والدواء والشراب والحماية والنشاط والنظافة واللباس، وكل أفعال الدلال! ومع ذلك أربعون، خمسون، ستون سنة، ثمَّ يبدأ التآكل فيه ويصدئ بعد أن كان نشطًا وقويًّا. أحيانًا يشعرنا أنه يغادر الحياة ”بالقطعة“ قبل أن يغادرها دفعةً واحدة:
تَغَيَّرَ حالي وَاللَيالي بِحالِها
وَشِبتُ وَما شابَ الزَمانُ الغُرانِقُ
الحياة حلوة وشهيَّة جدًّا لو يبقى الجسد شابًّا نشطًا مثل الروح، لكن ويا للأسف، أعظم خيانة تحصل عندما يخوننا هذا الجسد الذي نعتني به أيما عناية، نقدمها له طوعًا وكرمًا.
أنتم - إن شاء الله - في الجنَّة تبقون شبَّانا وشابَّات! عنه «صلى الله عليهِ وآله»: ”يدخل أهل الجنَّة جردًا مردًا مكحلين أبناء ثلاثين أو ثلاث وثلاثين“، لا تعتَريكم عللُ الدنيا وآفاتها، تبقون مرتاحي البال، لا تكبرون ولا تموتون!
أما في الدنيا، فجأة تظهر المشاكلُ والعلل، وعندما تسأل كم العمر، يقولون: بلغ من العمرِ عتيّا وتقدَّم في السنّ كثيرًا، ستون سنةً وأكثر! تقول: ستون سنة - فقط - وتظهر كل هذه العلل؟ هلا قلتم مائة أو أكثر؟
حسنًا، إذن ليس لنا إلا التعايش والتصالح مع هذا الجسد المغترب، المتمادي في غربته، سوف نداريه ونداويه. عن رسول الله ﷺ: إن الله تعالى لم ينزل داءً إلا أنزلَ له دواءً علمه من علمه، وجهله من جهله، إلا السامّ وهو الموت.
خلاصة المرام: على العقلاء طلب العافية والتداوي، فإن الله وضع الشفاءَ في الدواء والشفاء من الله الذي خلقَ ”لكلِّ علةٍ دواء“. استأنسوا بهذا الجسد وحافظوا عليه، فهو نعمة من الله لكم، إن أحسنتم فيه أثابكم وإن أسأتم له عاقبكم. عيشوا ما كتبَ الله لكم من عمرٍ في وفاق مع هذا الجسد، ما استطعتم إلى ذلك سبيلًا. كما على العقل أن يبقى متماسكًا قويًّا مع تقدم العمر، يجب أن يبقى الجسد قويًّا ومتماسكًا.
لكن هل تعرفون أنَّ بيننا من يرفض الدواءَ والعلاج؟ مرضى جسد، مرضى نفس! كم بيننا من يسيء إلى جسده، علمَ أم لم يعلم؟ بعضنا يبدو في عمر ثمانين سنة، وهو ابن خمسين، وآخرون يبدو في الخمسين وهم أبناء ثمانين سنة!