آخر تحديث: 31 / 10 / 2024م - 8:43 ص

هل هزمت وحدتك؟

الدكتورة زينب إبراهيم الخضيري * صحيفة الرياض

الكثير يشكوا من الوحدة في زمن التواصل، ولكن هل فعلًا يمل الإنسان نفسه؟ وهل حقيقي أنه يشعر بالملل كلما كان بمفرده؟ يقول السينمائي والكاتب تاركوفسكي وصاحب كتاب «النحت في الزمن»: «هذه الرغبة في التجمع لتجنب الشعور بالوحدة أمر مؤسف؛ لأنه يبدو أن الناس الذين يملّون أنفسَهم في خطر حقيقي».

لا يمكن أن ننكر أن الإنسان بطبعه كائنٌ اجتماعي يؤثر ويتأثر بالمحيط الذي يعيش فيه، بل ويتفاعل مع كل المتغيرات التي حوله. وقد كانت اللغة منذ قديم الأزمان هي جسر التواصل بين الإنسان والآخر، ومع مرور العصور والأزمان تشكلت مئات بل آلاف من اللغات واللهجات على مختلف مشارب الأرض وأصقاعها. هناك شعوب عديدة ومختلفة، لها طباع تختص بها، ولها عادات وتقاليد خاصة ومختلفة، ألوان وأهازيج خاصة، الملايين من البشر المختلفين عن بعضهم كما لو أنهم يشكلون لوحة فسيفساء عظيمة تشكل لوحة البشرية، هذه الاختلافات بين الشعوب اليوم لم تمنع الإنسان من أن يتواصل مع الآخر بسبب اختلاف اللون أو العرق أو اللغة، في السابق ابتكر الإنسان القديم عدة طرق للتواصل مع الآخر الذي لا يجيد لغته فقد ابتكر لغة العيون، ولغة الجسد، ولغة الوجه، ولغة المشاعر، حتى يتعرف الشخص على اللغة الأخرى ويندمج مع بقية أفرادها.

هذا الإنسان العجيب والقادر على التكيف في أصعب وأدق الظروف والذي بدأت التقنية الجديدة في محاربته في الصعد كافة، حتى في مهنه المتعددة فأصبحت الآلة هي الأيدي العاملة في المصانع والمزارع والمتاجر، وحل الكمبيوتر التقني محل الإنسان فباستطاعة جهاز كمبيوتر أن يحتفظ بمفردات وألفاظ عشرات بل مئات من اللغات واللهجات، ويستطيع أن يتواصل مع مختلف الناس والأشخاص، ولكن هذه المادية من الحياة لم تستطع أن تتغلب على العقل البشري والذي مازال يسيطر على الآلة والكمبيوتر، فالإنسان قدراته تفوق أي اختراع ولكنة مازال يجهل الكثير مما وهبه الله من قدرات وإمكانات، فهو يعتبر الموجه لكل ما حوله، والمسيطر على كل مقدرات الأرض وها هو يهرول نحو السماء، وتبقى للإنسان اللغات الأخرى والتي لن يستطيع أي ابتكار تقني أو جهاز كمبيوتر أن يفعلها، بإمكانك أن تجد جهاز كمبيوتر يتحدث لغة، ويحاكي تصرفات وحركات ما، يعمل ما يطلب منه، ولكن لن تجد جهاز كمبيوتر يضحك أو يبكي أو يفرح، ولكن هل الكمبيوتر هزم وحدة الإنسان؟ وهل هذا الإنسان الذي يصول ويجول في هذه الأرض وتعداها للسماء لم يستطع حتى الآن أن يهزم وحدته؟