آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 2:34 ص

تشجيع الخليج ليس فرضا واجبا

أثير السادة *

في عالم الرياضة، هنالك تصنيفات متعددة لعشاق الكرة، من الجمهور الذين يتابعون رياضة ما، تختلف كما وكيفا باختلاف الزمان والمكان، واختلاف الظروف المحيطة بكل ممارسة رياضية، فالمشجعون بذلك طوائف ومذاهب وليسوا لونا واحدا، فهنالك مثلا من يتابع كرة القدم حبا في هذه المستديرة، بصرف النظر عن مشاركة فريقه المفضل فيها، يحبون أنديتهم حتما لكن اهتمامهم بهذه الرياضة أوسع من دائرة الفريق وقائمة لاعبيه، كما هنالك المأخوذين بالعاطفة والولاء لفريقهم، يميلون له كل الميل، وعليه يجدون في الرباط العاطفي سببا للاستمرار في تشجيعه ومتابعته، بينما هنالك من تحمله الاعتبارات الاجتماعية كوجود اصدقاء أو أقرباء لتشجيع فريق ما، في حين ينصرف آخرون لتشجيع فريق معين لانجازاته أو لوجود نجوم لامعة فيه.

هذا التلون والتعدد يمكن أن يحدث في أي رياضة، وأي نادي، لا يمكن إلزام الناس بأن يكونوا ضمن حزمة واحدة من تلك الحزم العاشقة للرياضة، فكما انفتحت الأندية والفرق على الكون كله وهي تتخير لاعبيها وجهازها الفني، سينفتح الجمهور ويختار طريقته وشكل تفاعله وقبل ذلك خياراته في التشجيع، الشكل القديم من الرابطة بين الأندية والجمهور في مدن وقرى المنطقة لا يمكن أن يبقى قدرا دائما لها، سيأتي اليوم الذي تتحرك فيه قيم التشجيع، من تشجيع القرية أو البلدة والمدينة، إلى تشجيع فرق ناجحة مثلا، أو لاعبين لامعين باعتبارهم أيقونات رياضية جاذبة، أو ربما يصبح الجمهور أكثر مرونة ليشجعوا أكثر من فريق واحد في ذات الوقت.

كثيرون لا يذهبون للمباريات للترفيه فقط، فهم في الغالب يحاولون التعبير عن هوياتهم، قيمهم، تفاعلهم الاجتماعي، وعن الرابطة العاطفية مع الفريق الذي يعتقدون بأنه يشبههم في السحنة والقيم والأفكار، للإحساس بحضورهم كعائلة واحدة وكتلة اجتماعية متماسكة، لكن حتى هذه المشاعر والدوافع سيعيد دوزنتها الوقت، فكما تغيرت صور الترفية في هذا البلد، ستتغير اهتمامات المتابعين للرياضة باعتبارها واحدة من خيارات الترفيه، لا نملك اليوم دراسات لاتجاهات الجمهور ولا سلوكهم العاطفي، إلا أن لغة السوق والاستثمار ستكون حاكمة في صعود أندية وهبوط أخرى، ونمو رياضة وانخفاض ثانية، وبالتالي زحزحة الشرائح الجماهيرية من مراكزها وتأسيس علاقات مختلفة حتى مع الرياضة.

الذين حضروا مباراة الأمس بين الخليج ومضر هم يمثلون حتما الشكل العتيد للرابطة العاطفية بين النادي والجمهور، ممن يصعدون من قيمة المكان العاطفية في تشجيعهم، ويستثمرون في كل ماهو مشترك لإيجاد قيم جماعية تفسر هذه الحماسة للوقوف خلف فريقهم، وإذا كان في عداد المقبول اجتماعيا ورياضيا أن يلعب لاعب ضد فريقه بلدته، وهو الأمر الذي لم تعرفه كرة اليد قبل الألفية الجديدة مثلا، فإنه حتى الآن لم تعتد الجماهير أن تتقبل صعود طبقة جديدة من المشجعين الذين يختارون حب اللعبة على حب فريق البلدة، خاصة مع هذا الربط المستمر للنادي بالمكان، والشعور المتنامي بأن كلاهما واحد، الأمر الذي قد يوفر الرصيد والدعم العاطفي للأندية المحلية، إلا أنه قد يقيد انطلاقتها ويحجم من حجم انتشارها، فالفرق الكبيرة هي التي تتجاوز المكان في حضورها وقاعدتها الجماهيرية.