آخر تحديث: 22 / 11 / 2024م - 1:35 ص

التخطيط في قصة نبي الله يوسف (ع)

الدكتور هاني آل غزوي *

يُعتبر التخطيط planning أحد وظائف العملية الإدارية وأكثرها أهمية لأنه يوفر إطاراً هاماً لتنظيم موارد المنظمة أو الوزارة أو المؤسسة المادية والبشرية، ولبناء هيكلها وللتنسيق بين أنشطتها المختلفة ولممارسة الرقابة على الأداء فيها.

ومن خلال عملية التخطيط تتمكن المنظمة من تحديد الأهداف التي ترغب في إنجازها وتحدد الأساليب والوسائل اللازمة والتي تمكنها من الوصول إلى هذه الأهداف في المستقبل.

إن التخطيط هو السبيل العلمي الصحيح لدراسة المستقبل الغامض والاستعداد للتعامل معه، وإن قيمة هذه الوظيفة الإدارية يمكننا تداركها من خلال فشل العديد من المنظمات بسبب سوء التخطيط، أو عدم التخطيط طويل الأجل، أو غياب الرؤية المستقبلية.

في قصة يوسف دروس قيادية نستلهم منها الكثير في حياتنا المهنية..

قال تعالى في سورة يوسف: ﴿وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ «43» قالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ «47» ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ سَبْعٌ شِدادٌ يَأْكُلْنَ ما قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ «48» ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ «49»

إن تفسير رؤيا ملك مصر أعطى صورة واضحة ودقيقة لعملية التخطيط مارستها الإدارة في أعلى مستوياتها استندت إلى رؤيا واعية تنم عن قدرة فاعلة على تحديد خطة رقمية مبرمجة..

وذلك بالاحتفاظ باحتياطي استراتيجي من الغذاء لمواجهة الأزمات محتملة الحدوث ومن ثم يتم تنظيم الجهود البشرية المباشرة بالتنفيذ..

وبعد ذلك تأتي مرحلة أخرى مهمة بالنسبة لعملية التخطيط وهي: مرحلة الرقابة على التنفيذ بأن يأكلوا القليل مما يتم حصاده ويحافظوا على الباقي في سنبله صيانة له من الآفات.

قال يوسف للملك وملأه مايجب عليهم أن يعملوه لتلافي ماتدل عليه الرؤيا من الخطر على البلاد وأهلها قبل وقوع تأويلها: من زراعة القمح سبع سنين متوالية بلا انقطاع، ثم بادخار مايحصد منه في كل زراعة في سنابله لحفظه من الآفات وتسرب الرطوبة إليه.. حتى يكون القمح غذاء للناس، والتبن للدواب إلا قليلاً من ذلك يأكلونه في كل سنة مع الاقتصاد والاكتفاء بما يسد الحاجة.

وهذه السنون السبع هي تأويل البقرات السبع السمان، أما السنبلات الخضر فعلى حقيقتها في كون كل سنبلة تأويلاً لزرع سنة.

ثم يأتي بعد ذلك سبع سنين كلهن جدب وقحط، يأكل أهلها كل ماادخروه في تلك السنين إلا قليلاً مما يخزنون ويدخرون للبذر..

بعد وضع الخطة من قبل يوسف فكر ”بتوسيع خطته الاقتصادية“ وأصبح الفائض في مصر هو ملك لكل الناس ويحق لأي كان أن يأتي ليأخذ الطعام، ولكن حددت الكمية بقدر بعير واحد فقط حتى يتمكن الجميع من الحصول على الطعام ﴿وَلِمَن جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ «72» وجعل لكل شخص بطاقة خاصة به حتى يعرف من خلالها أنه حصل على الطعام كي لايحصل أي نوع من الفوضى..

وبدأ يوسف يستقبل الوفود التي تدخل إلى مصر للحصول على الطعام ويجلس بنفسه لمقابلتهم ويبدأ بختم بطاقاتهم دون إهانة ﴿أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ «59»

وهكذا قضى يوسف على الاحتكار والبطالة والتسول بخطة عبقرية لم يسبق لها مثيل، وقد كانت خطة يوسف ترمي بأن يحضر كل من أراد الحصول على الطعام معه بضاعة من صنع بلده تماماً كمبدأ المقايضة: الطعام مقابل البضاعة التي يحضروها.