الدراما السعودية وشماعة الفشل
كثر في الآونة الأخيرة الحديث عن وضع الدراما السعودية، وحاول بعض المحررين البحث عن مفكرين يدلون بدلوهم تحت مسمى «ناقد فني»، فتجد جميع الصفحات الثقافية والفنية تحديداً تتحدث عن فشل الدراما في شهر رمضان؟
دعنا نحاول العودة من خلال «العم» جوجل إلى الوراء 365 يوماً، سنجد نفس الأسماء تكرِّر نفس الحديث عن مسلسلات رمضان 1433 هـ. وإرجاع العيب في الدراما السعودية إلى النص، ولا ينظرون إلى أشياء أخرى صاحبت هذا التسطيح الدرامي المقصود في الفضائيات العربية.
في ظل وجود مئات المحطات الفضائية، ووجود كثير ممن يحاول الاستثمار في هذا السوق الرائج، نجد أن عيوب الدراما الحقيقية في الخليج تتمثل في غياب الوعي الفني، والمنهج الأكاديمي لدى العاملين في الدراما، وسنجد أن المنتج «عاوز كذا»، أصبح يدخل لنا فنانين ليس لهم علاقة بالتمثيل، بل لهم علاقة في كيفية ارتداء الأزياء المسائية وحضور الحفلات الخاصة، وتغييب النقد الحقيقي للصناعة الفنية.
لو عُدنا بالذاكرة قليلاً، عندما كانت الدراما السورية «قبل الحرب»، كان الحديث عن سيطرة الممثل السوري على السوق الفني، بل وبدأ يدخل كل التقنيات الجديدة التي هي جزء من مكونه الثقافي، والمُعاش بشكل يومي، وكان النص الدرامي أكثر إقناعاً للمشاهد بأن يلتزم ساعات طويلة أمام التليفزيون ويتابع ذاك المسلسل وتترسخ في ذاكرته بعض المشاهد التي هي أقرب إلى الواقع في كثير من الأحيان.
وقبل الذاكرة السورية في الدراما لا نستطيع إغفال الدراما الكويتية ما قبل الغزو العراقي للكويت، حيث كانت تلك الدراما تعتمد على ممثلين دخلوا الفن من خلال بوابة المسرح، ومن خلال المعهد العالي للفنون المسرحية، ومن خلال التأصيل الأكاديمي للفن نجد أن الدراما الكويتية كانت مسيطرة على السوق الخليجي، بأفكار أقرب إلى الواقع وهمومه اليومية، مدمجة بقليل من السخرية في بعض المسلسلات التي تم تقديمها في تلك الفترة وعجزت القنوات الفضائية عن تقديمها مرة أخرى.
ومن خلال المقاربة بين المشهدين في الدراما السورية والكويتية نجد أن المتلقي ابتعد كثيراً عن الدراما المصرية التي كانت أقرب إلى استهلاك السوق. وما أعنيه في هذه الإطلالة السريعة أن الخلل الفني والمأزق الذي تعيشه الدراما الخليجية لا يقع في النص فقط، بل أصبح في جميع أنحاء الجسد الفني، من خلال نصوص يضع ملامحها المنتج - ربما - يعطيها لكاتب غير محترف، ثم تنتقل إلى مخرج موظف في تلك المؤسسة بوظيفة «مخرج تليفزيوني»، ليضع لمسات «ملبننة»، وبهارات «مغربنة»، ويقدم العمل من خلال فنانات تشاهدهن لأول مرة لا يحملن أي سيرة ذاتية في العمل الفني.
وتأتي النتيجة بعد ذلك كله بأعمال فنية صُرفت عليها ملايين الريالات ورعتها شركات المكياج، والأغذية ومشروبات الطاقة، ليتم بثها على كافة القنوات الفضائية ويشاهدها المواطن والمقيم، ويأتي المحلل الفني الذي وظفته شركة الإنتاج ليكتب أخبارا ترسل لكافة الصحف، وتنشرها مع صور معبرة. وفي ختام الحفلة «بعد رمضان»، يصل الناقد المهتم وينتقد غياب النصوص عن الدراما الخليجية في الأعمال التليفزيونية بينما في الحقيقة الناقد لم يتابع سوى المسلسلات التركية التي أصبحت عربية بقدرة فنية عالية الجودة. ولكن مشاهدها في «بورصة وإسطنبول وأنقرة»، وغابت الشوارع والغابات السورية التي كانت تمنح تلك الدراما نكهة عربية.