آخر تحديث: 25 / 11 / 2024م - 8:33 ص

السؤال ممنوع!

علي أحمد آل رضي

﴿وَآتَاكُم مّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ ۚ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ «ابراهيم - الآية 34»

في المرحلة المتوسطة أتذكّر سؤالاً طرحه أحد الزملاء على معلّم اللغة العربية عن مصدر كلمة كانت في ذهنه فما كان ردّ المعلّم الذي لم يجبه إلاّ أن قال: ”سؤالك ليس له علاقة بالدرس“، وأتذكر أني طرحت سؤالاً على أحد الأساتذة وكانت إجابته مختصرة وقاطعة وتولّى، فهمتها أنه لا مجال للتأويل وأحسست أنه مطلوب مني ألاّ أناقش في الجواب! تكميم الأفواه معرفيّاً من الجهل ولعله أخطر أدواتها والتي منها التقوقع وطلب الصمت وعدم «الحوار والانفتاح والتواصل والإطلاع» على ما عند الشعوب الأخرى، لذا من المحزن عدم الاختلاط مباشرة مع سكّان المدن والدول التي نزورها. علينا أيها الأعزاء أن نحسن التعامل ونشجّع على طرح السؤال من منطلق التربية والعلم والحوار وفتح آفاق المعرفة والتواصل والتشجيع وأمور عديدة جميعها من أولويّات الحياة وسعادتها.

ثمّة مفهوم خاطئ يُلصَق بنمط وكيان ”السؤال“ الذي يسير في قطار حياة الفرد الإنساني وفي جميع مراحل عمره مما شكّل السؤال بذاته بعبعاً مخيفاً ومخوّفاً كان صادراً أو مستقبلاً أدى إلى ضعف الإلمام بالمسؤوليات والواجبات وعمق الإعاقة المعرفية والفكرية المولّدة إلى البحث عن القيود لتجنّبها في مراحل متأخّرة بين شريحة واسعة من البشر. ليست مفردة السؤال بذاتها من انتهكت حقوقها بل هناك كيانات وركائز أخرى مثل الغريب والغني والحازم والضعيف والغير متوقع وما شابه من صفات دنيوية للأسف ينظر إلى مكنوناتها نظرة استهجان مجردة من التقدير والاحترام. سوء استخدام السؤال عبر صياغات اتهامية وجارحة من عوامل الضغط على ثقافة الانفتاح والإنصات للأسئلة والملاحظات وتساهم بطريقة غير مباشرة في دعم نهج التكميم والقيود والمواقف المتشدّدة.

السؤال يلبس أوجه عدّة منها الهادف والمحيّر والبريء والمستفزّ والغامض والهجومي والآمر والمقدّم وغير ذلك، وقد تأتي جميعها من مصدر واحد فهي غير مقيّدة بحالة أو عمر بل مفتوحة وعن سؤال واحد يصدر كتاب أو دواوين وتقام الندوات والخطابات والمقالات وتقدّم الدراسات وتحصد الأوسمة والشهادات. شاهدنا قامات ونوابغ انطلقوا من طرح السؤال تلو السؤال لما فيه من غذاء معرفي لا ينضب أبداً، ومن صيغة السؤال يمكن استنتاج فكر أو مغزى السائل كان طفلاً أو حتى كهلاً ومما لا شكّ فيه أن إثارة السؤال مهمة فكرية لا يضاهيها في الأهميّة للإنسان طوال عمره إلاّ هواء الحياة التنفّسي، خسر من تأخّر عن ركبها.

في التعليم مكانة السؤال مرتبطة أكثر بهرمون التوتر والقلق لأنه يستخدم كوسيلة تحديد النجاح حال الإجابة بما يتوافق مع ما مدوّن عند المعلّم أو مؤلف كتاب الدرس. يبدو لي أن هذا النهج بحاجة إلى تطوير وانفتاح لأنه يقيّد الطالب عن استخدام عقله وفكره وحشره في زاوية مفروضة. أليس من الأفضل تشجيع الطلبة ذاتهم على طرح الأسئلة على المعلّم من عنوان الدرس أثناء الشرح عوض عن تقديم المعلّم قالباً معرفياً جاهزاً وضيّقاً؟ بل أرى في هذا الزمن المتداخل تقنيّاً وفوضويّاً أن يعطَ الطلبة قبيل الاختبارات حزمة محدودة تمثّل أهم الأسئلة ضمن نهج تعليمي معتمد ومعمم يختار منها المعلم أسئلة الاختبار الدورية والنهائية بما يضمن بنسبة أكبر، رفع التحصيل المعرفي.

داخل الأسرة يكاد أن يختفي السؤال وجلسات الحوار وتبادل الأخبار من جميع الأفراد، فالأبناء إن لم يبادروا ويستفيدوا من أثمن ما أنعم وسخّر الله لهم وهو العقل، غالباً ليسوا مكلّفين بأي مسؤولية نتيجة ضعف التربية وسوء الإعداد ومتابعتهم صعبة أو محدودة والوالدان مشغولون بأمورهم الخاصة ولا بيئة مهيّأة لجلسات حوار حقيقية بين أفراد الأسرة والتي يفترض أن تتطاير فيها أسئلة عديدة بين المتحاورين. في المرحلة الإنسانية الأهمّ وحتى بلوغ الرابعة عشر من العمر استخدام نمط التربية والتعلّم عبر تدريب الأبناء وتحفيزهم على طرح ما لديهم من استفسارات كل لقاء وكل يوم وبلا قيود من المؤكّد أن النتائج ستكون مبهرة باتساع الأفكار وتنوّعها حتى تكون مخرجات التربية أولاً ثم التعليم صلبة.

بلا جدال وكما القرآن المجيد، يكاد لا تخلو أي صفحة كتاب من سؤال ويحلو تواجده تربويّاً ومعرفيّاً مع كل جَمعة أحباب، أجيبوا السائل وشجعوه أسعدكم ربي.