آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 12:54 ص

هوامش الفرح الخلجاوي

أثير السادة *

أشياء كثيرة لافتة رافقت الاحتفال بفوز الخليج الأخير ببطولة كأس كرة اليد، أشياء تختصر طبيعة الحدث وقيمته بالنسبة لمشجعي هذا الفريق، بعضها محمود كالغزل المتبادل بين جمهور الخليج والصفا رغم سخونة المواجهة، وبعضها مذموم، كالأصوات التي تحاول إحياء النعرات المناطقية بكثير من الخفة وقلة الوعي والثقافة.. في حديقة الفرح كانت هنالك الكثير من الصور والعبر والأفكار، والكثير من التعابير والمجازات التي تحاول مد الجسور بين النادي والبلدة، وبين الرياضة والهوية، وبين كرة اليد والذاكرة الجمعية.

ولأني مشغول بالصورة واللغة معا، وجدت فيهما الكثير من التحريض على التفكير والتحليل، ماذا يقول الناس عبر اللغة عن هذا الحدث وكيف يقدمونه عبر الصور.. فكلاهما ملعب واسع لصناعة المعاني وتخليق الخيالات، وقبل ذلك للكشف عن طبيعة المواقف والأفكار المحرضة التي تصوغ خطاب الناس ونمط تفكيرهم.. فمن قبل المباراة كانت اللغة والصورة تذهب للتذكير بأواصر العلاقة الطبية مع الفريق الآخر، حيث اكتضت أوصاف ”الأخوة“ و”أبناء العم“ في مشهد التسخين عبر منصات التواصل، وحاول البعض إستعادة وجوه القرابة بين لاعبي الأمس في الفريقين، إمعانا في التأكيد على الرابطة بالدم، وهو الذي لا يجري على الألسن غالبا في مواجهات الفرق الأخرى.

حتى داخل الملعب، سعى الإعلام وقبله الإتحاد إلى تكثيف صور التآلف والتآخي بينهما، من مشهد توزيع الورود وتبادل الوشاحات بين الأطفال، ووصولا إلى العناقات التالية لصافرة الحكم بين اللاعبين، ومرورا بالبيان الإعلامي لنادي الصفا والذي بارك فيه للخليج بعد المباراة مباشرة.. كانت المحاولات كثيرة لتقديم صورة الحب على صورة الحرب في مشهد الختام، الأمر الذي وحد دموع الفرح ودموع الحسرة في الطرفين، لأنها جميعا تتأرجح على حد المحبة لهذه اللعبة وأهلها.

هذا لا يعني نقاء الصورة ولا نقاء اللغة تماما، فالغزل المفتوح على آخره هنا، يكشف عن قلق حاضر من فتن نائمة هناك، ولكم مشى الناس على حقل من ألغام الكلام في مواجهات سابقة مع النور ومضر على سبيل المثال، وكانت براكين الغضب أكثر قوة من براءة الأطفال التي زينت المشهد الأخير، ذات اللحظة كان يمكن أن تتحول إلى فتنة مؤجلة لو لم يتسع فضاء التواصل لهذا اللون من الاعتدال في الحلم والتنافس واللغة، ما جعل من الفرح غزالة تتراكض بين الناس بصرف النظر عن النتيجة النهائية.

ومن شرفة الكلام أيضا، كنا والأصدقاء نقف على التعابير المتكررة لمناصري نادي الخليج، والاستعمال الدارج للفظة ”الكيان“ حين الحديث عن نادي الخليج، تكرر هذا اللفظ في تصاريح المسئولين وكذلك المناصرين، في ظاهره معنى يشير إلى النادي بوصفه مؤسسة كبيرة وفي باطنه رغبات لتوسيع دائرة المعنى وتحويل النادي إلى ما يشبه الوطن، إلى شيء يكبر الرياضة ويصبح بحجم الحصون التي ندافع عنها ونطمع في توسيعها.

الأصدقاء من خارج البلدة يتهكمون على هذا التعبير لأنهم لم يألفوه إلا في لغة الإعلام السياسي وهو يصف الوجودات المصطنعة والمتخيلة، غير أن الذي يصرون على أن الخليج ”غير“ يحرصون حتى على مكاسبهم اللغوية، وعلى الحفاظ على معجهم اللغوي المأخوذ من إيقاع البحر وسواحله المفتوحة على حد المجاز..