آخر تحديث: 7 / 5 / 2024م - 5:52 م

هل نعرف من نحب؟

كاظم الشبيب

من التحديات التي تواجه علاقات الحب بين المتحابين، بل حتى علاقات الكره بين المتكارهين، أن نحب ظناً منا بأننا نعرف من نحبهم، أو أن نكره ظناً منا بأننا نعرف من نكرههم. فننغمس في حب من نحب بينما نحن نغرق، وننغمس في كراهية من نكره بينما نحن نغرق، وفي الحالتين نحن نغرق في وهم المعرفة بمن أحببنا أو كرهنا. يحدث ذلك في علاقات الحب والكراهية الثنائية بين الأفراد كما يحدث في العلاقات الجماعية بين أهل الهويات المختلفة.

لنفترض جدلاً أنه حدث أن أناساً قد أحبوا بعضهم بعضاً فعلاً. إنهم مملؤون بعواطف المحب الحلوة، بالعفة وبكل الصفات الأخرى الطيبة، ويشعرون بأنفسهم ذوي أخلاق نبيلة. مثل هذا يقود أحياناً للزواج، وبعد نصف سنة يكتشف أحدهم: ليس هذا هو الشخص الذي وقع في حبه، إنه شخص آخر. لقد وقع في حب شخص شبح. إنه شخص ”التحويل“ لأن المحب رأى في هذا الآخر فقط الإنسان الذي يحب أن يراه، ربما من الأم أو من الأب، ربما من الجودة أو التواضع أو الإخلاص، والإنسان لم يلاحظ أن ذلك كان توهماً. الإنسان غالباً يكره ذلك الشخص الآخر، لأنه يعتقد، أنه خُدع به. والحقيقة أنه خدع نفسه، لأنه لم يكن يرى الحقيقة، بل كان يرى شيئاً آخر، وهماً. [1] 

معرفتنا الحقيقية بمن نحب أو نكره هي المفتاح الطبيعي لتعميق العلاقة المتوازنة والمحافظة على صحتها واستمرارها، سواءً في العلاقات الثنائية بين الأفراد، أو العلاقات الجماعية بين المجتمعات المتعددة الهويات. فإذا كنا نحرص، كما يقول المفكر أمين معلوف، على صون السلم الأهلي في بلداننا، وفي مدننا، وأحيائنا، كما في كامل الكرة الأرضية، وإذا كنا نتمنى أن يتجلى التنوع البشري في عيش مشترك متناغم لا في توترات مولدة للعنف، فإنه لم يعد في وسعنا أن نكتفي بمعرفة «الآخرين» معرفة تقريبية، سطحية، غليظة. وإنما نحن بحاجة إلى معرفتهم معرفة دقيقة، لصيقة، وأكاد أقول حميمة. ولا يمكن أن تتحقق هذه المعرفة إلا من خلال ثقافتهم، وبالدرجة الأولى آدابهم. فالعمق الحميم لكل شعب هو آدابه، إذ إنه هنا يكشف عن أهوائه، وطموحاته، وأحلامه، وحرماناته، ومعتقداته، ورؤيته للعالم المحيط به، ورؤيته لذاته وللآخرين، بمن فيهم نحن. ذلك أننا حين نتكلم عن ”الآخرين“، يجب أن لا نغيب نحن عن بالنا أبداً، أياً كنا، وأينما كنا، أننا نحن أيضاً «الآخرون» بالنسبة إلى سائر الآخرين. [2] 

لذا، فإن التوجه العام، في الأسرة والمدرسة والمجتمع والإعلام، نحو فهم الآخرين وتفهمهم، والتربية على ذلك منذ الطفولة، قبل الحكم بمحبتهم أو كراهيتهم، هو التوجه الإنساني المطلوب. نعم، أكيد أنه ليس في إمكان أي منا أن يعرف كل ما يود معرفته عن أولئك الآخرين، نظرا إلى كثرة عدد الشعوب، والثقافات، واللغات، والتقاليد التصويرية، والموسيقية، والرقصية، والمسرحية، والحرفية، الخ. لكن إذا شجعنا كل فرد منذ طفولته وطوال الحياة كلها، على أن يهوى ثقافة غير ثقافته، ولغة يتبناها بحرية تبعا لميوله الشخصية  وأن يتعمق في درسها أكثر من تعمقه في درس اللغة الإنكليزية التي لا غنى عنها  فسينتج عن ذلك نسيج ثقافي مرصوص يشمل الكرة بكاملها، ويطمئن الهويات الخائفة، ويقلل من مشاعر الكراهية، ويعزز شيئاً فشيئاً الإيمان بوحدة المغامرة الإنسانية، فاسحاً في المجال بذلك لحصول صحوة إنقاذية. [3] 

في المقطع المرفق فائدة مُعززة للموضوع: فروقات بين الحب الوهمي والحقيقي:

https://cutt.ly/nG2BLqY

 

[1]  الحب أصل الحياة، إيريش فروم ص 152-154، بتصرف
[2] [3]  ص 205 - 206 اختلال العالم، أمين معلوف