آخر تحديث: 31 / 10 / 2024م - 8:43 ص

المزارع الكسلان وشجرة الورد الجميلة!

قبل تقريبًا أربع سنوات، أحضر لي أحد المزارعين الأجانب شجرةَ ورد صغيرة. قال: ازرعها وعندما تكبر سوف تعجبك، أزهارها حمراء كبيرة وأوراقها ناصعة الخضرة. قلتُ له: توكل على الله، إزرعها، وأعطيته ثمن الشجرة وأجرةَ عمله.

مرت سنتان والشجرة لم تكبر، شمس وسماد وماء وعناية، ومع كل ذلك بقيت ضعيفة الساق، هزيلة المنظر! حتى في ذات يوم قلت: يا رجل، ضَع الفأسَ عليها، اقلعها وازرع شجرةً أخرى مكانها بدلًا من هذه الشجرة التعيسة. بدأتُ الحفر تحت أعماق جذورها لأقتلعهَا وتفاجأت بأن المزارع تركها في وعاءٍ سميك مصنوع من البلاستيك، لا يتحلل مع الزمن، فلم تستطع الشجرة أن تأخذ مداها وتكبر.

أزلتُ الوعاء البلاستيكي وزرعتها مرَّة أخرى، وفعلًا بعد أشهر قليلة كبرت الشجرة وظهر فيها ورودٌ حمراء جميلة جدًّا حتى أنني زرعت شجرتين مثلها في أماكن أخرى.

ذكرتني هذه التجربة الشخصيَّة بتجربةٍ أخرى في سنوات العمل، لكنها مع إنسان. كان عندي أحد المهندسين المتميزين، شاب لديه شهادة ماجستير، لكنه كان يتأخر كل يوم، يصل متأخرًا وعليه علامات التعب وقلة النوم. أخبرته عدَّة مرات بضرورة الحفاظ على الوقت، ولم يتغير سلوكه. أخيرًا، طلبت منه أن يصارحني بالسبب لعلني أستطيع مساعدته حتى لا يتأثر سلبًا تقييمه السنوي. قال: إنه يحضر كل يوم من منطقة بعيدة، أكثر من ساعة ونصف قيادة سيارة صباحًا، لديه بعض الأمور العائليَّة فرضت عليه الرحلة اليوميَّة.

عرضتُ عليه أن نساعده في النقل إلى منطقة عملٍ أقرب. وافق الشابّ وبعد مدة قصيرة تم نقله إلى منطقة عمل قريبة من سكنه. بعد أشهر، عندما اتصلت به للاطمئنان على وضعه الجديد، كان وضعه تغير فعلًا للأحسن وعاد مهندسًا متميزًا كما عهدته. ذلك المهندس لم ينس الموقف كلما التقينا، شكرَ وأثنى!

خلاصة التجربتين: من طبيعة الإنسان والشجر النمو. فإذا كان غير ذلك، فأغلب الظنّ البيئة غير مناسبة. يكفي أن يكون عنصرًا واحدًا في البيئة يخرب ويحبط عمل بقية العناصر الجيدة. أغلبنا يبدع عندما تتكامل العناصر وتتهيأ الظروف المناسبة، وإن لم نبدع فإن ذلك وراءه سرّ يجب البحث عنه.

ليس هناك من طالب بليد، ولا عامل يكره العمل، ولا شخص شرير، أو غير ذلك. كلهم يمكن إِصلاحهم إذا توفرت شروط البيئة المناسبة، غير أننا نستعجل الاستسلامَ ورفع الراياتِ البيضاء!

مستشار أعلى هندسة بترول