فرحة الدار الجديدة يشترك فيها الشرقُ والغرب!
بنى أحدُ الأصدقاء دارًا جديدة، وها نحن ننتظر الوليمة، لحم الخرافِ السمينة والأرزّ الطيِّب. من أبهجِ الساعات حين يتحرك مفتاحُ قفل المنزل الجديد لأول مرَّة وتُضاء الأنوار في أوّل ليلة، رائحة الدار الجديدة تغري مثل رائحة الخبز الحارّ عند الجائع. حلمٌ تحلم به كلُّ أسرةٍ في كلِّ زمانٍ ومكان، يحلمون بدارٍ تجمعهم وتلمّ شملهم، تكون لهم عنوانًا ثابتًا بدلًا من تشرّدهم، لا مأوى ولا عنوان!
يسمي الغربيون هذه الحفلة والاجتماع ”حفلة تسخين الدار“، يقيمونها مباشرةً بعد الانتقال. مناسبة يرى فيها الضيوفُ الدارَ الجديدة ويقدمون أصنافَ الهدايا لأصحابِ الدار بهذه المناسبة. وهي عند المسلمين من عاداتِ الكرم والضيافة العريقة. يقول رسول الله «صلى اللهُ عليه وآله» - في وصيته لعليّ -: يا عليّ! لا وليمة إلا في خمس: في عرس، أو خرس، أو عذار، أو وكار، أو ركاز: فالعرس التزويج، والخرس النفاس بالولد، والعذار الختان، والوكار في بناء الدار وشرائها، والركاز الرجل يقدم من مكَّة.
وكأنّ ”الوَكَار“ مشتقّ من ”وَكَرَ“، حين يدخل الطائر إلى عشِّه، يبيض فيه ويُفْرِخ! بناء أو شراء منزلٍ جديد والانتقال إليه من أجمل اللحظات في الحياة، موجبة لشكر الله والفرحة. فإذا رزقكم الله وكرًا تأوون إليه من نوبِ الزَّمان افرحوا وابتهجوا، وإذا استطعتم أن تبثوا الفرحة في نفوس أهلكم والأصدقاء، فذلك خير!
الوليمة بمناسبة الدار الجديدة من العاداتِ الجميلة في مدنِ وقرى ”القطيف“، كما في غيرها من المجتمعات، وإن أصبحت تقتصر على العائلة والمقربين من الدَّاعين. الرجال - عادةً - لا يقدمون الهدايا، أما النِّساء فهنّ أكثر حرصًا على تقديم الهدايا بهذه المناسبة. وللدار خصوصيَّة تعرفها المرأةُ جيدًا، جنتها في الأرض! فمهما يكن من طيبةٍ بين الحماةِ والكَنَّة، لا تخلو العلاقة من السلبيَّات وتحتاج إلى ثقافة طرد الصورة النمطيَّة عن علاقةِ الزوجة بأمّ الولد. لذلك من الأسهل والأصفى للعلاقة السكن الخاصّ بعيدًا عن مشاكل الأسرة الكبيرة في بيتٍ واحد.
في هذه الآونة يحتاج الشابّ إلى خطَّة طموحة، سنواتٍ عديدة من عملٍ دؤوب وتوفير، ليتمكن من شراء دارٍ خاصَّة به، ويحقق حلم عائلته الكبير ”من سعادةِ المرء المسلم المسكن الواسع“. والحقيقة هي أن كوخًا أملكه، يرثه عيالي من بعدي، أفضل من قصرٍ استأجره، وبعد موتي لا دار لعيالي!
من بديع ما قال الإمامُ عليّ عن الدار: ”إن للدارِ شرفًا وشرفها الساحة الواسعة، والخلطاء الصالحون وإن لها بركة وبركتها جودة موضعها وسعة ساحتها وحسن جوارِ جيرانها“. فإذا أنتَ من أولئكَ المحظوظين بدارٍ واسعة، وجيرانٍ طيبين، اشكر اللهَ - والجيران - ولا تبيعها بأيّ ثمن، ولا تستبدلهَا إلا بأحسن منها!