آخر تحديث: 25 / 4 / 2024م - 5:14 م

استدراكا على حلقة «الندوة» حول الخطاب الشيعي

محمد الحرز * صحيفة اليوم

استكمالا لموضوع تجديد الخطاب الشيعي ضمن حلقات البرنامج الأسبوعي «الندوة» الذي يديره ويقدمه الصديق الكاتب مشاري الذايدي، وكنت أنا والباحث الكويتي د. خليل حيدر ضيفي الحلقة.

طبعا الموضوع من الشمولية والتعدد والتشعب التاريخي يصعب الإلمام بكل خيوطه أو حتى الوقوف على أهم مفاصله وتحولاته كما بين الذايدي في مقدمة الحلقة، ناهيك أيضا عن وقت الحلقة الذي لا يتجاوز نصف الساعة، هذه كلها، جعلت من فرصة التعقيب في هذا المقال ضرورة ملحة، لأجل التعليق على بعض النقاط، وإضافة أخرى، يمكن لم يتسع الوقت لطرحها أو مناقشتها.

تحدث د. خليل عن الأسباب التاريخية العالمية التي فتحت الباب على تحولات سياسية في العالم الإسلامي، وأحدثت شرخا في الوعي السياسي والفكري، سواء في جانب الدولة العثمانية فيما يخص الإسلام السني، أو في جانب الدولة الإيرانية فيما يخص الإسلام الشيعي، وبالخصوص حراك علماء الشيعة المجتهدين داخل الحوزات العلمية.

ثم جرى الحديث عن الحاضر وأبرز التحولات الثقافية الفكرية في السعودية، بالخصوص في الداخل الشيعي، وذلك على وقع مؤثرات الرؤية 2003، وأيضا على وقع ما حدث قبلها من أثر كبير بسبب موجة الابتعاث الواسعة، والتي لم تحدث سابقا، للطلاب إلى الخارج للدراسة في عهد الملك عبدالله رحمه، الذي جعل شريحة واسعة من أبناء المملكة ينفتحون على العالم تعليميا وفكريا وثقافيا.

وبالتالي أهمية هذه الخطوة تبان أثرها في توثيق الصلة بين أبناء الوطن الواحد، على اختلاف طوائفهم، وبينهم أيضا من جهة، وبين تعرفهم على شعوب العالم ونسج أفضل العلاقات معها، من جهة أخرى.

في الحوار ذاته لم نتطرق للكثير من المظاهر المتصلة بهذه التحولات، إلا لماما. لكن ما أريد طرحه في بقية المقال هو التطرق إلى ما كنا نتحدث بشأنه مع الأستاذ مشاري خارج البرنامج حول الطبيعة الثقافية التي ينشأ عليها الفرد الشيعي في بيئته، والتي عادة ما تكون محفزة له دائما، كي يكون على استعداد ذهني ونفسي وعقلي للتجدد والتغير.

وسأورد مثالا واحدا من بين العديد من الأمثلة التي لها صلة وثيقة بهذه الطبيعة الثقافية، وما تحتويه من إمكانيات بإمكانها أن تساهم في تمتين الروابط، وإحكام نسجها على أفضل وجه بين المجتمعين السني والشيعي.

«الحسينية» كمؤسسة في النظام الاجتماعي والثقافي الشيعي لها عمقها التاريخي وبعدها الرمزي المقدس، هذا النظام من خلال موقعه المؤثر الديني والاجتماعي في الحياة اليومية للفرد الشيعي، يمتلك القدرة:

أولا: في المساهمة الفاعلة في تشكيل صورة المواطن المنفتح على أبناء جلدته، مهما اختلف معهم عقائديا، وذلك من خلال فتح فضاء الحسينية على مختلف فئات المجتمع الأخرى، بالخصوص في المناسبات الدينية، لأنها تبني ذاكرة مشتركة انطلاقا من مكان رمزي، كان مقتصرا على الجانب الشيعي فقط، وإذا ما تأسست مثل هذه الذاكرة،، والتي تحتاج للكثير من الاجتهاد والعمل، ستزيح الكثير من سوء الفهم المترسخ تاريخيا في أذهان الكثير من كلا الطرفين.

أتذكر ضمن هذا الإطار، كان الكثير يحضر في الحسينيات من باب الإطلاع والفضول، وكان الحضور يمتاز بالخجل في أغلب الأحيان، لأن الريبة وعدم الثقة المتبادلة هي من أسبابه المباشرة.

لكن ما أعنيه بالحضور الذي تتأسس عليه ذاكرة مشتركة تفضي إلى مواطنة مشتركة مستقبلية، هو السعي الجاد لأن يتحول مثل هذا الحضور إلى أن يصبح مشروعا ثقافيا تنويريا، بقدر ما يساهم في تحسين صرة كلٍّ منهما، بالقدر ذاته الذي يفضي إلى بناء مواطنة سعودية راسخة الجذور، متوجهة للمستقبل بكل اقتدار.

ثانيا: يقودنا هذا الكلام إلى المطالبة بمراكز بحوث ودراسات متخصصة في مثل هذه المشاريع الإستراتيجية التي تعمل بهدوء، وبرؤية نافذة، تقوم على البحث والتقصي وبناء المعرفة حول مجتمعاتنا التي ظلت ردحا من الزمن، وهي بعيدة على أن تكون موضوعا للمعرفة.