آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 9:52 ص

القيم المتمردة

ليلى الزاهر *

يُقال إنّ الكتابة فعلُ خلاصْ، إنّها تُسكّن أوجاعَ الكاتبِ وأوجاع من حوله.

وربما يستطيع الكاتب أن يُحوّل الأحداث المؤلمة إلى تحفة فنية من الكلمات والحروف ويصنع جسرًا بينه وبين الناس بتلمّس جراحهم وينقل مشاعرهم بحرفيّة، يداعب الحرف ليُخرج أجمل ما لديه بصورة تجذب القارئ.

بين حشرجة الموتى وواقع الحياة المرأة هناك مشاهد تجعلنا نصل لمراتب الموت ذهولًا أو حزنا وسرعان ما نبحث عن حلول جذريّة تداعب عقولنا ونطلب المساعدة من مختصين وغيرهم للخروج من هذا المأزق.

وتتراوح مشاهد الحياة من المعقّد إلى السهل اليسير.. قد تسمعون ألم القلم عندما يخطّ عن خيانة المعتقد ودمار الفضيلة، وتبصرون الدموع في مشاهد خفيّة لكنها شفافة جدًا تلامس الروح..

بين إشراقة الحياة وظلمتها دخلت على ابنتها وهي منسجمة مع إحدى القنوات التبشيرية في اليوتيوب، إنها قناة معروفة تستقطب الكثير من المراهقين بحلو الكلام وزخرفه وكان هول المفاجأة من التلميذ الغالب على معلمه الأول:

الدين المسيحي مثل غيره من الأديان، مثله مثل الإسلام، لا مبرر لرفضكم له.

انتقلت من القشور إلى الّلباب معها، ثم حاولت أن تعطي الأمور أنصبتها الحقيقية ولكن قد يكون فات الأوان، لا بأس من المحاولة!!

من المفارقات الغريبة في الحياة ألا يكون الابن سر أبيه، وألا تقتنع الفتاة بحجاب أمها الكامل وقد نشأت على رؤية والدتها في أبهى صورة إسلامية وهذا بلا شك غير قادح في رسالة الوالدين.

فلا عجب من رؤية الصور المتناقضة بين أفراد الأسرة الواحدة.

من الجانب التربوي ذاته تبرز أهمية احتواء الأبناء منذ صغرهم ولعل أجمل علاقة لنا بأبنائنا هي تلك التي ننسج بها قطعة مخملية ناعمة جدا تُحيطهم، لا تؤذي أفكارهم الغضّة وتجعلهم بمأمن في أحضاننا، يعالجون الأمور بعقل، ولا يتذبذبون بين هذا وذاك فلا جدران عالية تفصلنا عنهم، ولا أسوار تقتل الحبّ بيننا وبينهم.

إننا ندرك جيدا أن المراهق يطمح دائما لفرض عضلاته الفكريّة والجسديّة فهو طاقة تتفجر بعناوين مختلفة أبرزها: التّمرد، الاستقلالية، مخالفة الرأي الآخر خاصة الوالدين.

والمراهق بحجم معاناته مع نفسه يحمل هموم اضطهاد الآخرين له وإظهارهم فنون الابتعاد الاجتماعي عنه لذلك يُسمى المُراهقون الجيل الرافض.

ومن المؤلم أن نرى الكثير من المراهقين قد أَدْخلوا الحزن على قلوب آبائهم، فعاشوا الموت المُجزّأ من سلوكيات أبنائهم التي لا تتناسب مع الوضع الاجتماعي والديني لعوائلهم.

لا بد أن نساير المراهق في أفكاره على أن يتم تصويبها بشكل غير مباشر وأن نضعه في لائحة «مُضْطَهَدين» كما يرى نفسه، على ألا يتضح في سلوكنا ملامح الشفقة عليه

مما يجنبنا خسارته لا سمح الله لأنهم في نهاية الأمر أولادنا ونحمل على عاتقنا أمانة حمايتهم من زوابع الحياة.

أولادنا قطعة من أرواحنا لتكن لنا حافظة زمنية نُخبّئ فيها النّبل والرحمة بهم مهما اشتدّت المواقف ولنترك لهم المجال يثرثرون، يرفعون أصواتهم، يُشيّدون سقف أمجادهم كما يحلو لهم، وما علينا إلا أن نمهّد جميع السُّبل ليعيشوا بسلام.

لا يجب أن نخدش مشاعر المراهق لأنه قد يموت على دفعات بالمقارنة والتهميش وفقد الأمان.

يقول الكاتب جبران خليل:

«ما زلت أؤمن أن الإنسان لا يموت دفعة واحدة وإنما يموت بطريقة الأجزاء

كلما رحل صديق مات جزء

وكلما غادرنا حبيب مات جزء

وكلما قُتِل حلم من أحلامنا مات جزء

فيأتي الموت الأكبر ليجد كل الأجزاء ميتة فيحملها ويرحل»

«خَالفْ تُعْرَف» مثل دارج على الألسن وهو من القيم المتمردة، وتضامنا مع صوت المراهق لنكن خطّ دفاع ولا نبطش جبارين.