آخر تحديث: 7 / 5 / 2024م - 11:44 م

النفاق في الحب والكراهية

كاظم الشبيب

من أقسى الأمور على المرء أن يعيش قصة حب كاذب، أو يتعايش مع قصة كراهية مزيفة. حينها، يتسأل المرء، أيهما أكثر صعوبة ومخادعة عليه: أن يُمثل عليه الحب فيعيش المكيدة، أو أن يُمثل عليه الكراهية فيعيش المعاناة. لا شك بأن لكلا الأمرين مخاطر مدمرة. هذه الحالة في العلاقات الثنائية هي ذاتها ممكنة الوقوع في العلاقات الجماعية بين أهل الهويات المختلفة، وقد جربتها بعض الشعوب وعانت منها الويلات. على سبيل المثال، لا الحصر، بينت الباحثة اليهودية ”حنا أرندت“، كما ينقل هابرماس، كيف حولت ظروف معاداة السامية يهود أوروبا إلى ممثلين فعليين حتى بات أصلهم اليهودي ”خفياً لا يلحظه أحد، ذلك أن عليهم أن يكونوا يهوداً ولكن أن لا يظهروا شبيهين باليهود“. كان على هؤلاء أن يتعاملوا مع حياتهم على أنها ”مسرح“ لا تسدل ستارته أبدا، حتى أصبح هؤلاء ”الممثلون“ عاجزين ”عن تعيين هويتهم الحقيقية حتى بينهم وبين أنفسهم“. [1] 

من لا يعيش شخصيته يلجئ للمنافقة في الحب والكراهية، أما ليتقي مخاوف خاصة به، أو ليصل لمأرب في نفسه، أو للأمرين معاً. لذا، ربما يجد كثير من الناس منفعة في كتمان كراهيتهم أو في التظاهر بدلها بحب كاذب، إلا أن هذه منفعة إنما تُحسب للكتمان والحب الكاذب. وهنا يفترق الحب عن الكراهية، فكثيراً ما وجد عموم الناس لا الحقيرون وحدهم، منفعة وفائدة في التعبير عن حب كاذب وغير حقيقي. وعلى الشاكلة ذاتها، فقد يجد المرء مصلحة في إنكار كراهيته الحقيقية علنا متى ما ترتب على الاعتراف بها أو المجاهرة بها انعكاسات مكلفة بإمكانه تجنبها. [2] 

فبين النفاق والإخلاص خيط رفيع أسمه المصداقية في الحب، وبين الخيانة والنزاهة مسار رقيق اسمه الوفاء حتى مع من نكرههم، وبين الخديعة والأمانة درب دقيق اسمه الاستقامة في التعامل مع من نحب ونكره، لذلك نجد أن كبت الكراهية من باب مراعاة الآخرين شيء، وكبتها تقية أو نفاقاً شيء آخر، ففي الحالة الأولى يتم كبت الكراهية لا بدافع الخوف من أحد ولا بدافع الرغبة في حماية النفس من أذى الآخرين، بل هو ضرب من ضروب الترفع الأخلاقي والتهذيب مع الآخرين مراعاة لهم، في حين أن كبت الكراهية في الحالة الثانية يتم بدافع الخوف من الآخرين وصيانة النفس من أذاهم المحتمل. فإذا كانت الحالة الأولى غيرية بامتياز «أي تلتف إلى الغير مراعاة له»، فإن الحالة الثانية أنانية بامتياز؛ لأنها لا تهتم إلا بالذات ولم يكن الالتفات إلى الآخرين فيها إلا من أجل حماية النفس فقط «سواء كانت فردية أم جماعية». [3] 

في المقطع المرفق صورة من صور النفاق الاجتماعي: رسالة إلى المنافقين في حياتنا:

 

[1] [2] [3]  بالتوالي ص 228 و150 و208 كراهيات منفلتة