ماذا بعد الندم؟
بعد أن فاق من تأثير ما في جسمه وعقله من سموم جلس مدعوراً بدا وكأنه سيجهش بالبكاء وهو يعيد شريط فعلته العظيمة التي حتى الحزن الذي استوطن قلوب الناس انفجع من فضاعت المصاب، ذلك لأنه كان يعيش حياة التيه والعزلة والظلام بسبب لعنة المخدرات.
بعد أن سقط في ظلمات المتعة الزائلة ”المخدرات“ وهو طريق الموت والضياع، لو تخيلتم صورته عندما كان طالبًا في مراحل الدراسة الأولى كيف كانت والدته تجلس باكرًا كل صباح وتوقضه من نومه مع باقي أخوته ليستعدوا بالذهاب إلى المدرسة بعد أن جهزت وجبة الإفطار والحقيبة المدرسية، وهذا هو حال الكثير من الأمهات مع أولادهن كل صباح.
هل تخيلتم كيف كانت صورته عندما كان طالبًا مدللًا وأنيقًا؟ بالتأكيد الكثير منا إن لم نكن جميعنا نشاهد جمال وأناقة الطلاب عند الذهاب والخروج من المدرسة، لكن تلك الصورة الجميلة لذلك الطالب لم تدم طويلًا بعد أن أصابته لعنة الزمن وتاه في بحر الإدمان بالمخدرات التي لا ترحم، حتى صار يتصرف وكأنه رجلًا أبله يمشي بين الناس من دون هدف ولا إحساس يختلق المشاكل أينما ذهب.
دارت به دورة الزمن القاسي ولم يعطيه الفرصة ليعود إلى طبيعته بل كشر عن أنيابه القاسية وقذف به للعيش في متاهات الحياة من دون بوصلة ورمى به إلى وهم السعادة بين أحضان مروجي المخدرات الذين يبيعون الوهم والخيال ثم الضياع وهو نهاية طريق المخدرات، الذي للأسف تروج له بعض الأفلام والمسلسلات ويشاهدها أطفالنا على الشاشات ويتعلمون منها كل شيء.
حينما أفاق راح يتأمل وجوه من حوله وكأنه يبحث عن شيء ضاع منه، حرك شفتيه وعاد يجلس وحيداً وحينما تقابله يبدوا وجهه شاحبًا وعندما تحدثه يهيم في ظل الفراغ تارة وفي غيبوبة الندم تارةً أخرى، هذه محنة المخدرات التي لم تعد فقط غياب الوعي وارتكاب الجرائم والحوادث والعنف والقتل.. ولكن المخدرات هي الطريق السريع لنهاية إنسانية من يدور في فلكها، تدمر صحته وتجعله عدواني مع نفسه والآخرين من حوله.
إذاً تلك هي الحقيقة لكنها بعد فوات الأوان حينما ينتاب الإنسان الشعور بالندم بعد أن يقوم بارتكاب خطيئة أو ذنب، وحينما تناديه بإسمه يرتقي برأسه نحو الأرض لم يحرك ساكنًا ثم يرفعه ويصيح لا تتركوني لوحدي أشعر بالحزن والندم في قلبي لا تتركوني فقد وصلني خبر صارم، ماتت عائلتي.. ماتت أمي، مات أبي، ماتت أختي، ومات أخي!