آخر تحديث: 16 / 4 / 2024م - 2:09 م

أبناء ولكن!

ليلى الزاهر *

يقول الإمام علي بن أبي طالب مخاطبًا ابنه الإمام الحسن : «وجدتك بعضي بل وجدتك كلِّي، حتى كأن شيئا لو أصابك أصابني، وحتى كأنَّ الموت لو أتاك أتاني».

يحمل الآباء حبّا تلقائيًا لأبنائهم وهو أمرٌ فطريّ لمن يكون منك ولا تكون أنت منه، لمن هو امتداد لك يحمل اسمك وصفاتك وملامحك، ولا يمكن أن يعبث بقدسية هذا الحب الذي يجب أن يكون متبادلا سوى غياب العقل.

عندما أنجبته كانت تحلم أن تراه رجلا، تحنو عليه، تناغيه تتفقد المياه الساخنة والباردة في الأنابيب عندما تُحممه حتى لا يطاله ما يؤذي جسده الرقيق، لم تعلم أن الأقدار تنسج نهاية مؤلمة لها على يديّ ذلك المولود.

ماذا لو كانت تعلم أن حياتها سوف تنتهي على يديه؟

ولم يكن والده يعلم أن هذا الابن الذي ضحّى من أجله، وبذل ما في وسعه ليخرجه ولدا صالحًا بارا بوالديه ستكون نهايته مُشْبعة بالحسرة والألم.

رحمهما الله وأسرتهم الكريمة فقد شدّوا رحالهم جميعًا في شهر هو الأفضل من بين شهور السنة ‏ «هو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله وجعلتم فيه من أهل كرامة الله»، ونعم المضيف الله ربّ العالمين!

كان بلاء عظيمًا وابتلاء استوجب ضيافة كريمة من الله عزّ وجل، خاتمة مؤلمة ولكنها عن رضا من المولى الكريم.

يقول الرسول الكريم: «ما يزالُ البلاءُ بالمؤمنِ والمؤمنةِ في نفسِه وولدِه ومالِه حتَّى يلقَى اللهَ تعالَى وما عليه خطيئةٌ».

اللهم اجعلهم من أهل الكرامة عندك وأحسن وفادتهم إليك، فقد أبكوا العالم ونشروا أشرعة الحزن في قلوبنا.

وكفانا الله تعالى شرّ كلّ مُسْكر شيطانيّ يُفكك عقل الإنسان فيخسر الإنسان شيئًا أعظم من الروح لا يمكن استرداده.

ويغيب العقل وبغيابه يظهر الخرس وتطغي الوحشية ويموت القلب وتتجسد جميع صور الشقاء ويسقط الإنسان في أوحال الآكام ثمّ لا يُفلت من قبضة الدّمار التي تشلّ حركته ويصبح لا إنسان.

ولكن ثمّة فكر يُرغم الإنسان على المحافظة على نفسه ليمتثل أمرًا سماويا جاء من الله تعالى ﴿وَ لا تُلْقُوابِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ، ثم ﴿أَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ.

إن بعض المواقف لا تُحسم إلا بالقوة ولا يجوز مجاراة القلب في اتخاذ القرار المناسب وإلا سوف يأتي اليوم الذي يشمت فيه العقل على القلب قائلًا: أما قلت لك؟!

خاصة عندما نعتذر من أنفسنا ونقول: هم أبناء ولكن!