آخر تحديث: 10 / 5 / 2024م - 10:19 م

تأبط شرًا وَتَمَخَّضَ عُنْفًا

ناجي وهب الفرج *

ضمر ما بينَ جوانبهِ سيلًا جارفًا مِنْ نوازع الضَّغينة والشَّر، حبسها وأفرغها بدون ضابطةٍ ولا وازعٍ مِنْ ضميرٍ أو وازعٍ مِنْ دينٍ، تحولَ فجأةً سلوكهُ مِنْ سلوكٍ إنساني إلى سلوكٍ حيواني صرفٍ، هكذا هي المخدرات تُحدثُ في متعاطيها وتوصلهُ إلى هذا المدى المتقدم مِنْ السلوكِ وأكثر.

فالمخدراتُ هي مجموعةٌ مِنْ الموادِ التي تسببُ الإدمانَ وتسممَ الجهاز العصبي، ويطلقُ لفظَ مخدرٍ على ما يُذهب العقلُ ويغيبهُ، لاحتوائهِ على موادٍ كيميائية تؤدي إلى النعاسِ والنومِ أو غيابِ الوعي؛ يتبعُ ذلكَ سلوكًا معاديًا للمجتمعِ في كثيرٍ مِنْ الحالاتِ عندما يكونَ تحتَ تأثيرِ المخدراتِ، وقدْ تحدثُ تغييراتٌ طويلةٌ الأمدِ في شخصيةِ الأفرادِ نتيجةَ تعاطي المخدرات، بالإضافةِ إلى الضررِ الْمحتملِ على الصَّعيدِ الجَّسمي والاجتماعي والنَّفسي.

الإدمانُ هو رغبةٌ قهريةٌ للاستمرارِ في تعاطي المادةِ المخدرةِ أو الحصولِ عليها بأي وسيلةٍ، مع الميلِ إلى زيادةِ الجرعةِ المتعاطاةِ؛ مما يسببُ اعتمادًا نفسيًّا وجسميًّا وتأثيرًا ضارًا في الفردِ والمجتمعِ.

تتنوعُ الأسبابُ المؤديةُ للوقوعِ في الإدمانِ وتعاطي هذه الآفات، وتعودُ إلى أسبابٍ أسريةٍ وبيئيةٍ وأمورٍ أخرى؛ أما الأسريةُ تتمثلُ في وجودِ القدوةِ السيئةِ مِنْ قبلِ الوالدينِ أو إدمانِ أحدهما، أو حدوثِ التفككُ الأسري وإهمالِ الوالدينِ لأبنائهم. أما فيما يتعلقُ بالبيئةِ المحيطةِ فذلكَ يتمثلُ في وجودِ أصدقاءِ السُّوءِ، والفراغِ، والسَّفرِ إلى الخارجِ دونَ رقابةٍ. وقد يكونَ هنالكَ أسبابٌ أخرى تتمثلُ في وجودِ ضعفٍ في الوازعِ الديني، والإصابةِ باضطراباتِ الشخصيةِ، أو لمجردِ حُبِ الاستطلاعِ.

هنالكَ أنواعٌ ومصادرُ للمخدراتِ كثيرةٌ ولها أشكالٌ متعددةٌ، وهي خطيرةٌ، سواءً كَانَ منها ذا مصدرٍ طبيعي مثل؛ القات، الأفيون، المورفين، الحشيش، الكوكايين، وغيرها، أو ذا مصدرٍ اصطناعي مثل الهيروين والامفيتامينات وغيرهما، وأيضًا الحبوب الْمخدرة والْمذيبات الطِّيارة.

أما المخدراتُ الأكثرُ انتشارًا طبقًا لما وردَ في موقعِ وزارةِ الصَّحةِ السعوديةِ تتركزُ في مادةِ الحشيش، ثمَ حبوب الكبتاجون، ثمَ مادة الهيروين، وجميعها مواد خطيرة تؤدي إلى الأمراضِ النَّفسيةِ والْعقليةِ والْجسديةِ الْخطيرةِ.

وللوقوفِ على آثارِ مضاعفاتِ الإدمانِ على المخدراتِ فتكونَ في المضاعفاتِ النَّفسيةِ مثل التغيرُ في الشخصيةِ، والتدّني في الأداءِ الْوظيفي والْمعرفي. أو أعراضِ ذهنية مثل الشعور باللامبالاة، وفقدان الحُكم الصَّحيح على الأشياءِ، وقد تؤدي إلى إصابةِ جهاز الْمناعة مثل الإصابةِ بالأمراضِ الْجنسية، والأمراض الْفيروسية كالْتهاب الْكبد الْفيروسي. الاضطرابات الْهرمونية مثل الْعقم والتأثير في عمليةِ الإخصابِ، والتَّفكك الأسري ومشكلات الطَّلاق، وانتشار الْجرائم للحصولِ على المالِ أو المقاومةِ.

ولكي تتمكنَ الأسرةُ مِنْ معرفةِ إنْ كانَ لديها مُدمنًا عليها الاهتمام بتتبعِ جملةً مِنْ الأمورِ عندهُ على المستوى السَّلوكي والْجسمي؛ أما فيما يختصُ بالجانبِ السلوكي عندَ المدمنِ يظهرُ في رغبتهِ الدائمةِ في تغييرِ الأصدقاءِ، واظهارهِ العدوانيةَ مِنْ وقتٍ لآخر، عزلةٌ وانسحابٌ اجتماعي تدريجي منهُ، وضعفٌ في التحصيلِ الدراسي بارزٌ، كسلٌ وغيابٌ عَنْ الدراسةِ أو العملِ، الرغبةُ في زيادةٍ غيرُ مبررةٍ للحصولِ على المالِ، وجودُ تذبذبٍ وعنفٍ في العلاقةِ مع الوالدينِ والإخوانِ والأخواتِ، كذلكَ ممكن الانتباه إلى أعراضٍ تظهرُ على المدمنِ نفسهِ على المستوى الجسمي مثل النعاس، الرجفة، احمرار العينين، واتساع حدقة العين، عدم الاهتمام بالنظافة الشخصية والمظهر العام، فقدان أو زيادة الشهية. وجود هالات سوداء تحت العينين، وحدوثُ اضطراباتِ النومِ.

لذلك باتَ مِنْ اللازمِ والضرورةِ الْملحة التنبهَ بشكلٍ مسؤولٍ وتحلي المحيطون مِنْ الأهل والأصدقاء بحيطة كبيرة إلى مثل هذه الآفة الخطيرة وتداعياتها وعدم التراخي والتهاون في علاجها والتبليغِ عنها لدى الجهاتِ المختصةِ، كي لا يحدثُ ما لا يُحمدُ عقباهُ.

هنالكَ الكثيرُ مِنْ الحالاتِ التي تصادفنا في حياتنا يُظهِرُ أصحابها تصرفاتٍ عدوانيةً مبالغًا فيها لا تجدُ لها مبررًا أبدًا، يتفننونَ فيها بممارسةِ صنوفًا متعددةً مِنْ الايذاءِ لِمَنْ حولهم دونَ أنْ تجدَ جوابًا شافيًا لماذا هم يتصرفون ويقومون بمثلِ تلكَ التَّصرفاتِ! البعضُ مِنْهم يكفيهِ التوجيهُ ويتوقف عَنْ الاستمرارِ في خطأهِ، والبعضُ الآخر يزدادُ في ردةِ فعلهِ عنفًا وعنادًا ومشاكسةً وذلكَ نتاجُ جهلٍ وعدمِ وعيٍ كافٍ إلى عواقبِ الأمورِ، أما بعضُ الحالاتِ تتخطى كلَّ تلكَ الحدودِ وتصبحُ قنابلَ موقوتةٍ وألغامٍ ستحصدُ لا محالةَ الكثيرَ مِنْ الضحايا، ولا يفرقُ في هذا الأمر بين كبيرٍ أو صغيرٍ أو قريبٍ أو بعيدٍ؛ مِنْ أجلِ ذلكَ كلهُ يلزمُ مِنَّا وقفةُ مراجعةٍ وعملِ تدابيرٍ وقائيةٍ على كافةِ الصُّعدِ والمستوياتِ وكما يُقال ”الوقاية خير من العلاج“ وذلكَ بعملِ نشراتٍ توعويةٍ مكثفةٍ ومراقبةٍ مستمرةٍ ومتابعةٍ دائمةٍ.

نحتاجُ أنْ نبتعدَ عَنْ العاطفةِ العمياءِ غيرَ الموجهةِ لدى البعض وتركَ التغاضي والسكوت عَنْ مثلِ هذهِ الحالاتِ التي وصلتْ لمراحلٍ متقدمةٍ وخطيرةٍ على أنفسهم وعلى مَنْ حولهم، وعلينا أنْ ندركَ ونعي بأنَّ مثلَ تلكَ الظواهرِ الشاذةِ والتي وصلتْ لمراحلٍ متأخرةٍ؛ لا يمكنُ علاجها ضمنَ الاطار العائلي أو حتى المجتمعي، إذ تُشكّل خطورةً حقيقيةً على الجميعِ، لا بد مِنْ إشعارِ الجهاتِ ذاتَ العلاقةِ بها واطلاعها عليها بشكل فوري وسريع دونَ تأخير وتباطأ حتى يتمَ احتوائها وتحييدها والسيطرةَ عليها وتداركَ ما يُمكن تداركهُ.

وهنالكَ طرقٌ للوقايةِ مِنْ إدمانِ المخدراتِ تتمثلُ في تعزيزِ الوازعِ الدِّيني لدى الأبناء، واحترام رأي الأبناء وتشجيعهم على التعبيرِ، ومِنْ ثمَ اعطاؤهم الثقة بالبوحِ بمشكلاتهم والتقرب منهم، وزيادة التركيز على المبادئ والثوابت الثقافية، وتنميِّة اهتمامات الأبناء بأنشطة إيجابية كالرِّياضة والرَّسم والْبرمجة وغيرها، كذلكَ الحرص على تعليمِ الأبناء كيفيةَ التعامل مع الضغطِ النفسي والإحباطِ، بالإضافة إلى تخصيصِ وقتٍ للسفرِ لأداءِ الْعمرة أو للزِّيارة، وقضاء أوقات للمرح معهم، مع الحرصِ على تخصيصِ وقتٍ لقضائهِ مع كلِّ ابنٍ أو ابنةٍ ومشاركةِ الأبِ والأمِ أنشطتهم المدرسية، وتوخي الحذر إذ إن غالبية الآباء والأمهات لا يتصورون أن أبناءهم يمكن أن يستخدموا المخدرات لا قدر الله، كما يجبُ التركيز على قيمةِ الحُبِ العائلي، وأنَّ عدمَ الرضا عَنْ فعلٍ معينٍ لا يُقْلل مِنْ قيمةِ الْحُبِ.

قال الله تعالى وهو العالم بأحوال عباده في محكم كتابه الكريم: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الروم: 41]

 

المصادر:

1 - القرآن الكريم.
2 - الموسوعة الحرة.
3 - الإدارة العامة لتعزيز الصحة والتثقيف الصحي في وزارة الصحة السعودية.
4 - المعجم اللغوي.
نائب رئيس مجلس إدارة جمعية العوامية الخيرية للخدمات الاجتماعية