آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 12:01 ص

تعلم القرآن الكريم وتطبيق تعاليمه في الواقع

زاهر العبدالله *

هناك فجوة لا أفهمها بيني وبين القرآن وأريد تعلم علومه، ماهي أمثل طريقة لتعلم علوم القرآن وتطبيقها في الواقع وليس لقلقة لسان؟

الجواب على هذا السؤال

إذا عرف الإنسان أن القرآن الكريم كتاب هداية ويهدي للتي هي أحسن فالهداية عنوان عام يحمل في باطنه جملة من الأمور فيكون دستور حياة فهو يحكي مختلف مناحي الإنسان العقلية والعاطفية والنفسية والاجتماعية والترغيب والترهيب والتفكر والتدبر والقصص التاريخية التي يستلهم منها دروسا وعبرا تحمل حلولا كثيرة لمشاكل عديدة تمر بالإنسان في حياته.

نذكر أمثلة لذلك

إن القرآن الكريم هو كتاب هداية كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا «9» الأسراء.

أي أن هذا القرآن هو أمثل طريق لهداية الإنسان من ظلمات الجهل لنور العلم والمعرفة لأن الهداية متعلقة بسلامة فكر الإنسان من الملوثات النفسية والشهوية ولو عدنا لتفسير هذه الآية عند صاحب الميزان رحمه الله تعالى فماذا نجده يقول، يقول:

كلام في طريق التفكر الذي يهدى إليه القرآن وهو بحث مختلط:

مما لا نرتاب فيه أن الحياة الإنسانية حياة فكرية لا تتم له إلا بالإدراك الذي نسميه فكرا، وكان من لوازم ابتناء الحياة على الفكر أن الفكر كلما كان أصح وأتم كانت الحياة أقوم، فالحياة القيمة - بأية - سنة من السنن أخذ الإنسان، وفي أي طريق من الطرق المسلوكة وغير المسلوكة سلك الإنسان - ترتبط بالفكر القيم وتبتني عليه، وبقدر حظها منه يكون حظها من الاستقامة. [1] 

علاقات مترابطة مهمة:

ثلاث علاقات أساسية علاقة العبد بربه وعلاقة العبد بغيره وعلاقة العبد بنفسه.

فعلاقة الإنسان بربه متعلقة بمعرفة الإنسان بنفسه وعلاقة العبد بغيره متوقفة على علاقة الإنسان بربه. وعلاقة الفرد متعلقة بصلاح نفسه

1 - علاقة الإنسان بربه متعلقة بمعرفة الإنسان لنفسه:

حينما يتفكر الإنسان في نفسه فيجدها في حالتين: إما أنه غني مطلق فلا يحتاج شيئا من أحد وإما أنه محتاج لغيره. فالمتأمل والمتعقل يجد نفسه في الحالة الثانية إذ إن الإنسان في حد ذاته محتاج بالضرورة لغيره فهو لا يملك صحته ولا حياته ولا غناه ولا قوته ولا يعلم الغيب وليس عنده علوم الأولين والآخرين فيجد نفسه ضعيفا ذليلا مسكينا مستكينا إلى من يملك ذلك كله وهو الحق سبحانه وتعالى الغني المطلق صاحب العطايا والمواهب الذي بيده حياة الإنسان وسعادته وصحته وإدراكه وقوته وغناه وعلمه وغيرها من النعم التي لا تحصى هنا إذا أدرك الإنسان هذه العلاقة عرف ربه فكلما تأمل في عظمة الله ونعمه عليه كان عبداً مسلماً شاكراً ذاكراً لله سبحانه وهذا مصداق الرواية التى تروى عن سيد الموحدين علي وهي قوله: «من عرف نفسه فقد عرف ربه».

وتترتب على هذه الرواية الشريفة - من المصدر نفسه - لوازم وهي روايات شريفة منها:

قال : «من عرف نفسه فهو لغيره أعرف» وقال: «من عرف نفسه جل أمره».

وقال «من عرف نفسه جاهدها، ومن جهل نفسه أهملها» وقال «من عرف نفسه فقد انتهى إلى غاية كل معرفة وعلم» وقال «من عرف الله توحد، من عرف نفسه تجرد، من عرف الدنيا تزهد، من عرف الناس تفرد».

فيكون نتيجة هذه المعرفة قول سيدي أمير المؤمنين :

«أكثر الناس معرفة لنفسه أخوفهم لربه»

وهنا نختم بملخص هذه النقطة من النبي الأعظم محمد ﷺ حين سأله أحدهم كيف يعرف الله سبحانه وتعالى:

دخل على رسول الله ﷺ رجل اسمه مجاشع، فقال: يا رسول الله! كيف الطريق إلى معرفة الحق؟

فقال ﷺ: معرفة النفس، فقال: يا رسول الله! فكيف الطريق إلى موافقة الحق؟ قال: مخالفة النفس، فقال: يا رسول الله! فكيف الطريق إلى رضا الحق؟

قال: سخط النفس، فقال: يا رسول الله! فكيف الطريق إلى وصل الحق؟ قال: هجر النفس، فقال: يا رسول الله! فكيف الطريق إلى طاعة الحق؟ قال: عصيان النفس، فقال: يا رسول الله! فكيف الطريق إلى ذكر الحق؟ قال: نسيان النفس، فقال: يا رسول الله! فكيف الطريق إلى قرب الحق؟ قال: التباعد من النفس، فقال: يا رسول الله! فكيف الطريق إلى أنس الحق؟ قال: الوحشة من النفس، فقال: يا رسول الله! فكيف الطريق إلى ذلك؟ قال ﷺ: الاستعانة بالحق على النفس. [2]  جميع الروايات.

لخص القرآن الكريم كل ما ذكرناه في قوله تعالى: ﴿بَلِ الْإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ «14» وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ «15» القيامة.

2 - علاقة العبد بغيره متوقفة على علاقة الإنسان بربه:

بعد أن استعرضنا الروايات الشريفة بات واضحاً لك أخي الكريم أنه كلما كانت علاقة الإنسان بربه قوية احترم خلق الله سبحانه لا لذواتهم بل لأنهم آثار الحق سبحانه فلا يجوز لي إهانة أحد أو سرقة أحد أو ظلم أحد أو سب وشتم أحد من الناس لأنهم عباد الله سبحانه وأن الله كرمهم إلا ما خرج بسبب كأن يتعدى على حدود الله سبحانه أو من باب تكليف بأمر بمعروف ونهي عن منكر.

ولذا ورد في الرواية الشريفة عن رسول الله ﷺ: أعدل الناس من رضي للناس ما يرضى لنفسه، وكره لهم ما يكره لنفسه. [3] 

3 - وعلاقة الفرد متعلقة بصلاح نفسه

وصلاح النفس هي تزكيتها من الذنوب والمعاصي وبعدها عن أكل المحرمات والشبهات وتورعها عن ملوثات الروح مثل الكذب والغيبة والنميمة والبهتان والرياء وغيرها حتى تكون ورقة بيضاء لا تحمل حقداً ولا بغضاً ولا حسدا بل تحمل في طياتها كل جميل.

كما قال تعالى ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها «9» وَ قَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها «10» الشمس.

للاستثمار الأمثل لعلوم القرآن الكريم في حياة الواقع.

نتعلم علم التوحيد من سورة الفاتحة التوحيد وذكر النعم وتعلم العبر من القصص في القرآن الكريم كأن تتعلم الصبر من قصة أيوب وتتعلم الحكمة من نبي الله يوسف وتتعلم أساليب الحياة من لقمان الحكيم وتتعلم الحلم من نبي الله زكريا وتتعلم التواضع من نبي الله عيسى وتتعلم مكارم الأخلاق من نبينا الأعظم محمد ﷺ حيث مدحه الجليل جلا في علاه بقوله تعالى ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ «4» القلم. وهكذا

وتتعلم من القرآن الكريم علوم الطبيعة والفلك والسحاب والمطر ودورة الحياة والنظر في مخلوقات الله سبحانه والتدبر في حياتهم فقد رسم الله سبحانه كثيرا من أمور الحياة تفتح لأذهان العارفين والدارسين والباحثين في علوم الطبيعة آفاقا رحبة في دراسة هذه الظواهر الطبيعية ولنأخذ بعض الأمثلة من آيات الذكر الحكيم في ذلك

قال تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ الله مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ «146» البقرة.

وقال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَ آلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَنَّ آلسَّمَٰوَٰتِ وَآلْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَٰهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ آلْمَآءِ كُلَّ شَىْءٍ حَىٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ «30» الأنبياء.

وقال تعالى: ﴿وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ «68» النحل.

ونختم في الإنسان نفسه، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ الله أَتْقَاكُمْ إِنَّ الله عَلِيمٌ خَبِيرٌ «13» الحجرات.

فهذه الآية حملت عدة فوائد أهمها أننا خلق الله سبحانه فلا فرق في خلقه وإن مدار القرب والبعد عند الله سبحانه ليس القبيلة واللغة والعرق واللون ولا الجنس وإنما الملاك هو تقوى الله سبحانه باتباع أوامره واجتناب نواهيه والاستنان بسنة محمد ﷺ وعترته الطاهرة . وأخير التسليم التام والكامل لقضاء الله وقدره خيره وشره.

ولو جلست أكتب لك ما في القرآن الكريم من كنوز لم يغطها مجلدات من المعارف والكتب فيكفي هذا المقدار وأأسف على الإطالة لكن سؤالك عميق جداً وغزير يستحق التوقف عنده والتأمل والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

[1]  تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج 5 - ص 254
[2]  ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 3 - ص 1877.
[3]  ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 3 ص 1843.