آخر تحديث: 7 / 5 / 2024م - 4:19 م

الشفقة بين الحب الكراهية

كاظم الشبيب

تتدفق الشفقة من المحب تجاه محبوبه، بل تفيض بالحنان والرأفة كلما تعمقت المحبة. بينما تتوقف الشفقة من الكاره تجاه من يكرههم، بل قد تنعدم وتصبح قسوة، وربما تتحول إلى سلوك ظالم كلما تعمقت الكراهية. يحدث ذلك على مستوى الحب الثنائي بين الأفراد والكراهية كما يحدث في الحب والكراهية بين الجماعات وعلى مستوى أهل الهويات المختلفة. ومن عجائب بعض البشر قدرتهم على التناقض بالحب والشفقة تجاه جماعتهم والقسوة بكراهية وعداوة تجاه هويات الآخرين. 

فقد توصل ”جان جاك روسو“ إلى أن ثمة مبدأين أوليين سابقين على العقل ينشطان في ”عمليات النفس الإنسانية“ الأولية، ”أحدهما يحثنا بقوة على طلب طيب عيشنا وحفظ بقائنا، والآخر يملأ نفوسنا نفوراً طبيعياً من رؤية أي كائن حساس يهلك أو يتألم، ولا سيما إذا كان بشراً مثلنا“....يولي روسو لهذه الشفقة أهمية كبيرة، فهي، عنده، منبع جميع الفضائل الاجتماعية، ف ”ما عساها تكون صفات الكرم والحلم والإنسانية إن لم تكن ذلك التحنن مطبقاً على الضعفاء أو على المذنبين أو على النوع الإنساني عامة؟“. [1] 

يشترك الصالحون والمصلحون من البشر في صفة الشفقة. هي صفة أهل الخير دائماً. بل هي صفة الأنبياء والمرسلين. هي صفة الإنسان السوي. هي أوسع من التعاطف بحيث يحزن المرء لآلام الآخرين، أو يتعاطف مع جراح الناس، فهي رغبة في رفع المعاناة عن كل الناس. هي المحاولة العملية لرفع أحزان الناس والمساهمة في التخيف من جراحهم ومعالجتها، ويكفي منها حتى مجرد سعي المرء وإن لم يكن موفقاً. وبالتالي هي مؤشر حقيقي لإنسانية الإنسان نفسه. 

نحن لا نتحدث هنا عن الشفقة الساذجة، أو الشفقة السلبية التي تتعامل بدونية مع الغير. ما نعنيه هي تلك الشفقة التي تستهدفها فلسفة العبادات في الكتب السماوية كالصيام والصلاة لتليين قلب الإنسان كي يبتعد عن قهر الآخرين والاستبداد في حقوق الناس والقسوة في التعامل مع البشر. هو تليين للنفس أيضاً لتكون مشفقة على ذاتها أولاً ثم شفوقة ومتحننة على محيطها من الأقربين داخل هويتها أو الأبعدين من أهل الهويات المختلفة عنها. لذا، تقوم الشفقة، على نوع من الالتفات والتماهي مع الآخر الذي يتعذب ويتألم، إلا أن فكرة الجماعة والهوية تقوم، كذلك، على نوع آخر من الالتفات والتماهي، وهو التماهي مع الجماعة أي مع الناس الذين يتقاسمون معي ذات الانتماء. [2] 

[1] [2]  ص 216 و218 كراهيات منفلتة