رب ارجعون
لعل المتأمل في هذه العبارة من الآية سيصرف ذهنه مباشرة إلى ما بعد الموت، حين يرى بعض الأهوال أو الأحوال التي وصل إليها، فيصاب بنوع من التحسف والتأسف على ما فرط في حياته، وقد تعرض عليه حالات أقرانه فيزداد حسرة وتفجعاً؛ فينادي رب ارجعون
لكن بنظرة قاصرة متفحصة سنجد أنفسنا وخصوصاً في هذه الأيام المليئة بأذكار العبادة، والتي من أجلى مصاديقها ”ذكر علي عبادة“، فقد مرت علينا ذكرى غزوة بدر الكبرى في السابع عشر، والتي أعز الله الإسلام بعلي حين أظهر تلك الشجاعة، فواجه بكل بسالة عتاة قريش رغم صغر سنه.
فحين رفض أبو جهل مبارزة جمع من الأنصار، وطالب أن يبارزه أكفاؤه، مما حدا بالنبي ﷺ أن يُخرج علياً والحمزة وعبيدة ليصطفوا في وجوه أعمدة الكفر من قريش، وهل هي إلا قنطرة ليعود عليٌ سالماً بعد قتل الوليد بن عتبة، ويعين على قتل من نازلهم الحمزة وعبيدة، وهم عتبة وشعبة.
ونحن على أعتاب ذكرى استشهاد أمير المؤمنين ، وليالي القدر الثلاث، والتي حريٌ بالمؤمنين أن يحيوها على أحسن حال، وإن كان من فضل في بلادي لإحيائها، فهو يعود للحجة المقدس التقي الشيخ فرج العمران قدس سره.
وها نحن في هذا الشهر الكريم نتطلع لاستثمار أوقاته الثمينة، والتي لا يعدلها شيء من العبادة والتقرب لله، حتى لا نصل لحالة التأسف والتفجع والتفريط بعد رحيله، وربما لا نعود لمثله من قابل، وحتى لا نكون مصداقاً للآية المباركة ”رب ارجعون“.
فيا ترى أليست هذه فرصة مواتية لأن نحيي ما بقي من هذا الشهر بأنواع العبادة المختلفة فالبكاء على أمير المؤمنين في ليالي رحيله، وهو يمثل أبوة للجميع ”يا على أنا وأنت أبوا هذه الأمة“، وإحياء هذه الليالي التي وصفها العلماء بما ورد عن أهل البيت ، كما فيما رواه زرارة عن الإمام الصادق قال: قال أبو عبدالله : «عن زرارة قال: قال أبو عبدالله :» التقدير في ليلة تسعة عشر، والإبرام في ليلة إحدى وعشرين، والإمضاء في ليلة ثلاث وعشرين.
فالمراد من هذه المصطلحات هي أن التقدير تعني تقدير الأرزاق والآجال والسعادة وعمر الإنسان وحالاته، أما الإبرام فهو وضع الأسباب التي تحقق ذلك التقدير، وأما الإمضاء في ليلة الثالث وعشرين فهو صدور الأوامر.
هذا التقسيم لليالي الثلاث نوع حث للمؤمنين على إحيائها، والتدرج للوصول إلى ليلة القدر الكبرى والإنسان قد تهيأ وأعد نفسه لصدور واستقبال الأوامر الإلهية.
لذلك على المؤمن أن يستثمر هذه الليالي، وأن لا يخرج منها إلا وقد رق قلبه ولو بدمعة، وعليه أن يتأمل فرصة دعاء رفع المصاحف فلديه مئة وخمسين فرصة للتوسل، وأن يجعل محطة زيارة الحسين زيارة تأمل وانفعال، ولا ينسى التأمل بصلاة ركعتي التوبة وليكن للاستغفار الذي بعد الصلاة طعم آخر مع يقين حصول المغفرة له ولأبويه، وقبلهم الوضوء والغسل والذي لا بأس أن يضم معه نية غسل التوبة والزيارة.
فحذاري أن نفرط في هذه الفرصة ثم نكون مصداقاً للآية ”رب ارجعون“