آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 1:42 م

التغيير الذي يمارسه السعوديون

حسن المصطفى * صحيفة الرياض

نحن سنتغير في المستقبل القريب.. كثيراً ما تسمع هذه الجملة على لسان سعوديين يتحدثون عن ذواتهم والمجتمع.

”السعوديون سيتغيرون“، عبارة ثانية تسمعها هي الأخرى في توصيف بعض المراقبين لما عليه الحال في المملكة! إلا أن كلا العبارتين يعتريهما شيء من عدم الدقة، لأنهما تؤجلان الفعل، فيما هو بالأساس قائم حالياً، وممارس على أرض الواقع.

السعوديون لن يتغيروا مستقبلاً، لأنهم بالفعل بدؤوا في التغيير، ويعملون على تجريبه، ممارسته، ومحاولة الدفع به نحو مساحات أوسع وفي حقول عدة.

التغيير ليس فعلاً مؤجلاً في المملكة العربية السعودية، وكأن هنالك سكونيةً أو جموداً يعيشهما المجتمع والمؤسسات الحكومية والمدنية. بل عكس ذلك هو الصحيح، وما أرصده في كل زيارة تسنح لي لمدن متنوعة في المملكة يؤكد ذلك، مرة بعد أخرى.

سأبدأ من ملاحظة بسيطة في زيارتي الأخيرة خلال شهر رمضان الجاري للعاصمة الرياض. فجميع سائقي ”أوبر“ الذين تعاملت معهم كانوا سعوديين، وكانت طريقة قيادتهم لمركباتهم واهتمامهم بالعلاقة مع الزبائن أفضل بكثير من جميع تجاربي السابقة. قد يقول أحدهم إن ذلك مجرد صدفة، لكني لا أؤمن بهذا النوع من ”الإحباط المبطن“، وإنما أرى أن هنالك مستوى من جودة الحياة والخدمات يتطور يوماً بعد آخر، ويعتمد بالتأكيد على المنشأة والجهة والأفراد الذين يقومون بعملية التطوير، ومدى فهمهم لمعنى ”الجودة“ والمعايير التي يلتزمون بها، أو يسعون لإفهام فريق عملهم بأهميتها وجدواها. وهي عملية تراكمية تحتاج زمناً وثقافة اجتماعية عامة.

النقاشات التي خضتها في أكثر من مجلس، هي الأخرى دليل على أن التغيير ليس شكلياً أو مؤجلاً ليوم ما قد يؤتي وربما لن يتحقق؛ وإنما تجد أن الكثير من المفاهيم المتعلقة بالثقافة، احترام النظام، العلاقة مع الآخر، الخطاب الديني، السلم الاجتماعي، الهوية الوطنية.. جميع هذه الموضوعات الشائكة، تتلمس أنها صارت محل نقاش، فهم، وإن تفاوت مستوى إدراكها من شخصٍ لآخر، إلا أنها باتت جزءًا من المفردات والخريطة المفاهيمية لدى الكثير من السعوديين من شرائح ومناطق مختلفة.

كنت خضت أثناء زياراتي نقاشات يُنظر لها من قَبل بوصفها خطوطاً حمراء لا يجوز الاقتراب منها، وكأنها ”عش دبابير“ من لمسه ستتورم أصابعه، إلا أنني ورفقة العديد من الأصدقاء كنا في خضم هذه الحوارات، بحيوية، وهدوء، وروية تعكس أن هنالك تقبلاً للرأي الآخر، ونظرة باتت ترى التعدد والتنوع السعودي عنصر ثراء وقوة، لا عامل تشرذم وضعف!

السعوديون بالتأكيد، ليسوا ”شعب الله المختار“، وليست هنالك من أمة على وجه الأرض يمكن اعتبارها مكتملة البناء وناجزة الشخصية، أو أنها النموذج الكامل الذي لا يعتريه نقصان. فجميع المجتمعات البشرية فيها من الإيجاب والسلب، ونقاط القوة والضعف؛ ولذا، على السعوديين أن يواصلوا التغيير الذي ولجوه، وألا يخشوا من طرح الأسئلة حتى لو لم تكن إجاباتها ناجزة، لأن الأهم في السؤال هو إثارته للتفكير وتحفيزه على الخروج من مناطق الخمول والراحة المميتة!

التغيير لن ينطلق غداً، لأنه بدأ، ويعيشه الناس، والأهم أن يواصلوه، ويدركوا أن كل خطوة يتقدمونها إلى الأمام، تقودهم لتغيرات أكبر وأكبر، وستفضي إلى بناء وعي أعمق، ومجتمعات منفتحة، ودولة مدنية حديثة، قادرة أن تحقق ما تصبو إليه من تنمية وأمن واستقرار وتنوير.