آخر تحديث: 23 / 4 / 2024م - 9:39 م

الروبل قادم

عبد الرزاق الكوي

ارتبط الإنسان منذ القدم مع النقود والتعامل بالعملات واستخدامها في حياته المعيشية فالحاجة ام الاختراع، مع تطور الحياة تطور معها استخدام العملات من معدنية وبعدها العملات الورقية، الأزمة الأوكرانية لا زالت تأتي بالمستجدات على الساحة العالمية ودعوة القيادة الروسية باستخدام الروبل وهو الوحدة الأساسية لعملة روسيا الاتحادية حيث أصدرت في عام 1997، وكانت هذه عملة الاتحاد السوفيتي قبل تفككه، كانت بداية التداول بها من قبل الاتحاد السوفيتي 1918.

اليوم تعمل روسيا كدولة عظمى بخطوات جادة من جعل عملتها عالمية التداول من قبل بداية الأزمة الأوكرانية وجاءت الأحداث لتسرع هذا القرار المصيري، من أجل تعزيز مكانتها الدولية واستقلاليتها الاقتصادية وبيع منتوجاتها الغالية الثمن بالعملة المحلية، رغم الصعوبات والعواقب والضغوطات والحرب الشرسة من أجل بقاء الوضع السابق وهيمنة عملة أو عملتين على التعامل القسري لجميع مستلزمات دول العالم، وإذا اتخذت الصين مثل هذه الخطوة باستخدام عملتها في بيع منتجاتها للعالم وهي المسيطرة على التجارة العالمية سوف يغير الموازين العالمية.

سوف تجني روسيا في بداية الإعلان عن التعامل مع عملتها الثمار مستقبلا حيث وافقت بعض الدول على التعامل بالروبل ومع مرور الأيام تتزايد الثقة من الدول الصديقة وتبقى الدول الرافضة في حيرة من أمرها خصوصا مع حاجتها الماسة للغاز والمنتجات الأخرى الروسية.

اتخاذ هذا القرار الجريء وهي مستعدة لكل توابعه وتقف على أرض صلبة بإن خطوتها تعطي أكلها يوما بعد يوم، وترمي بثقلها العسكري والاقتصادي في مواجهة من العيار الثقيل، في وجه تحالف هش يتربص به غدرا ونكث بكل المواثيق والأعراف الدولية، روسيا لا ينقصها الغذاء ولا الطاقة، بل تغذي العالم بما أنعم الله تعالى عليها من خيرات، العالم بهذه الخطوات مع انتظار مثل هذا الموقف من الصين والهند وبعض الدول التي عانت من هيمنة العملات الأخرى، يأخد العالم نحو قواعد جديدة للنظام الاقتصادي العالمي، هذا ما ولده قرارات غير صائبة ومتسرعة في محاصرة الدب الروسي، والعقوبات ضدها وتجميد جزء من احتياطياتها النقدية في البنوك الغربية، قد تقوض العملات الأخرى وتغير النظام المالي العالمي.

فجاءت القرارات عكسية، وروسيا غير أفغانستان والصين غير العراق، القرارات المتعجرفة والاستفزازية لا تصلح في كل الساحات والزعامات، وروسيا والصين عندها قدرة تحمل بمقدورهما تجاوز الصعوبات والعقوبات المفروضة عليها من قبل منافسيهم وبدون رجوع لهيئة الأمم المتحدة والمحافل الدولية أو السعي لردع الصدع وحل المشكلة سلميا بل القوى المناهضة زادت الأمر اشتعالا من أجل مصالح وأطماع خاصة.

روسيا والصين يتسلحان بروافد اقتصادية يحتاجها العالم، يتسابق العالم في نيل الرضا، أصبحت لهم المكانة العالمية المرموقة خصوصا مع استقطاب كثير من الدول وبناء علاقات متكافئة ومصالح مشتركة، تعود بالنفع على الأطراف وتنتعش التجارة العالمية بعيدا عن الفكر المهيمن والاقصائي.

لا ينقص روسيا اليوم شي من تقدم تكنولوجي ولا عسكري وغيرها من المجالات الحياتية المهمة، تقود اليوم هجوم مضاد رغم التداعيات والآثار والأضرار التي تصيب من خلال الحرب أو العقوبات أو الحصار

إن ما يؤخر العمل بالروبل ارتباط بعض الدول بعقود ووجود احتياطات من العملات الأخرى تحتاج وقت حتى يتم التخلص من تبعاتها والاتجاه بالدفع بالروبل، لكن مقارنة بسيطة على الواقع أن من يخسر غير روسيا والمستقبل سوف يبرزها كلاعب عالمي يحسب له حساب في القرارات العالمية، عملتها سوف تأخد الثقة وبعدها التنافس ليصبح تأثير ذلك على الاقتصاد العالمي وانعكاساته على جميع الدول، من خلال التفاعل والتعامل بعملة مرضية وتوظيف قدرة وقوة العملة للحصول على مكاسب ليس فقط اقتصادية بل تتعداها إلى سياسية، مثلا روسيا تصدر سنويا ما يقارب 50 مليار دولار، إذا دفعت بالعملة الروسية كم سوف يغير الاقتصاد الروسي وتشكيل قوى اقتصادية جديدة على الساحة الدولية والتعامل المباشر مع المصرف المركزي الروسي.

فالعالم مع هذا التطور على الساحة الدولية بين خيارين أما الرضوخ والدفع بالروبل الروسي، أو انتظار أزمة انقطاع واردات روسيا المختلفة وما تؤثره من زيادات وتضاعف الأسعار مما يدخل العالم في أزمات اقتصادية ومعاناة لكثير من العالم وتزايد أعداد الجوعى والتضخم، والأمل هو العمل على وجود سعي عالمي لحلول وسطى وعقلانية بعيدة عن الفكر الاستعلائي لحفظ ماء وجه من يقفون حيارى في بروز القوة الروسية للعلن، وتعود العالم عند مثل هذه المواقف تتراجع القوى العالمية عن كثير من مواقفها وتجلس صاغرة على طاولة لحلحلة ما قامت به من أزمات اليوم تعيش أوروبا قلقا عميقا وخوفا متناميا لاعتمادها على أكثر من %40 من احتياجاتها من الغاز الروسي وخوفا من التضخم وهذا بسبب رضوخ أوروبا لقرارات خارجية واستسلامها للإملاءات.