آخر تحديث: 25 / 4 / 2024م - 1:22 م

كاريزما أم خُيَلاء ملاك؟

ليلى الزاهر *

ما أن لبّى دعوة صديقه عندما دعاه على مأدبة العشاء وكان المنزل مكتظا بالغرباء الذين لم يلتقِ بهم قبلا إلّا وقد زادت قائمة الأسماء في هاتفه عشرة أرقام جُدد.

فما هو سرّ انجذاب الناس نحوه؟

وهل يتضايق من حوله من قدرته على أن يصبّ نفسه في قالب الجماعة؟

تبنى العلاقات الاجتماعية على الاحترام القائم بين الطرفين؛ يجللّها سخاء الحب، وينعشها الإحسان والإنصاف، فتنشرح بها النفس، ثمّ تُعطي ثمارها المرجوة، ويتحقق بذلك علّة الاجتماع الإنساني.

وفي السيل الجارف من العلاقات الاجتماعية يتردد على الألسن هذا القول: لماذا يُحبّه الناس؟

فمن المُلاحظ أن البعض منّا يمتلك قبولًا غريبًا عند الناس فما أن يحلّ بمكان حتى يُلفت أنظار من حوله وتظهر تلك الكاريزما الطاغية على ملامحه.

هو مقبول بين الناس، مُرحب به بصورة خاصة، ولعله يمتلك من الأسرار الرّبّانية ما جعله يُقيّم نفسه تقييما اجتماعيّا يعلو على أقرانه فتخالطه الخُيَلاء مثل ملاك يخطو فوق البسيطة.

فما سرّ قبوله عند الناس؟

هل هي الكاريزما أم أنها إرادة الله تعالى التي اقتضت أن يلقي حبك في قلوب الناس؟

إنها هبة الله لعباده المؤمنين مثل أيّ نعمة يخصّ بها الله تعالى أحدا من عباده دون آخر مثل هبة الذريّة ﴿يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَ يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ الشورى: 49

يقول الرسول الكريم ﷺ: «إن الله تبارك وتعالى إذا أحب عبداً نادى جبريل إن الله قد أحب فلانًا فأحبه فيحبّه جبريل ثم ينادي جبريل في السماء: إن الله قد أحب فلاناً فأحبوه فيحبه أهل السماء ويوضع له القبول في الأرض».

من جانب آخر سوف نلاحظ أن البعض يمتلك قدرات استثنائية وافرة تساعده في غزو قلوب الآخرين والخروج منها منتصرًا.

أما قواعده الذهبيّة في فن التعامل مع الناس فلا يلتفت إليها إلا العقلاء فيُكْبرون شأنه، ويضعونه في مكانه الملائم.

قال الحسن البصري رحمه الله: «لا تزال كريمًا على الناس، ولا يزال الناس يكرمونك ما لم تنظر إلى ما في أيديهم، فإذا فعلت ذلك استخفوا بك، وكرهوا حديثك، وأبغضوك»

إنّ الغالبية العظمى من الناس يعيشون ظروفًا اقتصادية أو أسرية قاسية وبالعادة يظهر ذلك في تعاملهم مع الناس ولكن البعض منهم يرى من المستحسن ألا يظهر ذلك أمام الآخرين فيرى بعض الكذب كرامة وتصنّع الفرح انتصار على التعاسة وثمّة احتيالات كلامية تُخفي خيبة الآمال وتظل شكوى النّفس معلّقة بين السماء والأرض.

هذا فضلًا عن حبّه الحقيقي للناس وتعاطفه معهم في أحلك الظروف.

إنه ميزان عدل يُحسن من حيث يُحْسَن إليه ولا يقل ما لا يُحب أن يُقال له، يقاسمهم أفراحهم، ولا يمد بصره لما في أيديهم ترفّعا وكفافًا، يوظّف ذكاءه في تلمّس آلامهم ويبدي اهتماما فائقا لأحاديثهم حتى الحمقاء منها.

ويقول تشافر: «القاعدة الذهبية للصداقة هي أنك إذا استطعت أن تجعل الناس ينظرون بشكل إيجابي إلى أنفسهم، فإنهم سيعجبون بك»

نسأل الله تعالى في هذا الشهر الكريم أن يكون الذكر الحسن ميراثا لنا وألا نكون ممن يتكالبون ويتطاحنون على ملذات زائفة لا قرار لها.

قال الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا «سورة مريم: 96»

اللهم اجعل لنا مودة في قلوب الناس يشتاقون لنا عند غيابنا ويفرحون بلقائنا.