آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 5:35 م

ما بين البلدي والتنموي من الاحتياجات.. الجش مرة أخرى

أثير السادة *

ما بين الاحتياجات البلدية والأخرى التنموية مسافة يمكن قياسها بحجم التحولات التي لحقت بمفهوم التطوير الحضري، من مجرد إدارة لمشاريع متفرقة وخدمات عامة، إلى رؤية تطويرية وعملية ديناميكية تحقق التكامل بين المشاريع، وتمكن من الاستغلال الأمثل للموارد، مع الحفاظ على البيئة الطبيعة، وهنا تبرز عناوين البيئة كأساس في مفهوم التنمية الشاملة والمتوازنة، التنمية التي تحمل أهدافا بعيدة المدى، تبدأ من جودة الحياة، ولا تنتهي عند دمج البيئة في كل القرارات الاقتصادية.

هذا ما يجعل من إعادة توجيه الاهتمام ناحية التنمية المستدامة مسألة مهمة في تطوير بلدة ذات موقع استراتيجي كالجش، والتي اعتاد أهلها من خلال عقود طويلة على رصد احتياجاتهم وحملها للجهات المسئولة من خلال مظلة مجلس البلدة، وقد أثمرت هذه الجهود في تعزيز البنية التحتية وتوفير المزيد من المرافق الخدمية والتعليمية.. غير أن هذا اللون من المطالبات والمتابعات لا يأخذنا في الغالب إلى خطة تنموية شاملة، يكون حاضرا في صلبها: كيف نحافظ على البيئة الطبيعية، وكيف نجذر الهوية المحلية في العملية التطويرية، خاصة وأن البلدة لا تحضر بوصفها بلدية مستقلة وإنما ملحقة ببلدية عنك والتي تتبع في موازناتها وقراراتها لبلدية القطيف.

لهذه المشاركة المجتمعية في رصد الاحتياجات أن تستمر، لكن عليها أن تذهب أبعد في تطلعاتها لتصبح شراكة أيضا في وضع الخطط والتصورات المستقبلية للبلدة، ما يضمن لها تنمية متوازنة، تحسن من مؤشرات العيش وتحافظ على هوية المكان، وذلك من خلال الدفع باتجاه حماية ما تبقى من الشريط الأخضر، واستثماره ضمن مشاريع اقتصادية وسياحية وثقافية.

لا يمكن أن تصبح مشاريع التوسع العمراني ذريعة لتجريف ذاكرة المكان، كما لا يمكن التذرع بتراجع الجدوى الاقتصادية للزراعة بالمنطقة، فثمة مبادرات بديلة يمكن مناقشتها حول مفهوم السياحة الريفية، خاصة بعد تحول الكثير من المزارع إلى منتجعات واستراحات يقصدها الزائرون من كل مكان.

هذا التحول في استخدامات الأراضي الزراعية بحاجة إلى إدارة وإرادة، لتصبح المحافظة على البيئة الطبيعة أولوية على مستوى التطوير، بل محورا لكل المشاريع التنموية التي ستمضي إليها البلدة في سنواتها القادمة، خاصة وأنها قد خسرت جانبا من مساحتها لصالح المشاريع الخدمية التي تقدم خدماتها لكل المحافظة.

أشكال التنمية الجزئية هي السائدة في عمليات التحديث في عموم المنطقة، وهذا ما يفقد المشاريع القائمة التكامل والترابط، وبالتالي يؤكد وجود خلل في البنية التخطيطية، وفي الجش ينبغي أن تتمحور عمليات التطوير حول الصورتين البارزتين للمكان: وهي الثراء البيئي بوجود المساحات الخضراء، والمركز الخدمي الذي يهبها حضورا نوعيا بالمقارنة مع المدن والبلدات الأخرى داخل المحافظة.. وحتى الآن لا نلمس ارتكازا على هذين الأمرين في معطيات التنمية الحالية، فالذي يعبر قاصدا تلك المرافق والمشاريع الخدمية يشعر بغياب الإحساس بأهمية هذه المرافق كواجهة للمحافظة بكاملها، بداية من الشوارع ومرروا بالإنارة وصولا إلى التشجير، كما أن الشريط الزراعي آخذ في التآكل والانحسار، ولا حديث عن مبادرات لتطوير المنظر الطبيعي واستثماره وتشجيع الملاك والمزارعين على الاستمرار في الحفاظ عليه.

والمحصلة أن هذه البلدة الصغيرة باتت بوابة خدمية للمحافظة، واحتياجاتها تتعدى البنية التحتية إلى تنظيم علاقتها بالأرض وبالمحافظة عموما، وأي نقاش حول مستقبلها يلزم أن يتضمن مقترحات لا تتخلى عن وعود التنمية الريفية جنبا إلى جنب مع التنمية الحضرية.