آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 3:01 م

الرؤية السعودية.. أفكارٌ تتجاوز السائد

حسن المصطفى * صحيفة الرياض

دائماً ما تكون النقاشات مع الصديقين عبدالله بجاد العتيبي وفهد الشقيران، محفزة على التفكير خارج الأطر الضيقة، وإمعان النظر في الأحداث من زوايا عدة، بحيث لا تقف عند الرسمِ الظاهر، وإنما تبحث عن المعنى، ودلالته، وما الذي يشير إليه.

في ليلة رمضانية هادئة، انساب الحديث بشفافية حول حوار ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، مع مجلة «ذا أتلانتيك»، وكيف أن هذا اللقاء يضم العديد من المعاني الفقهية والفكرية المهمة جداً، والتي يجب أن يستمر النقاش حولها، وألا يتوقف بمجرد نشر الترجمة العربية للحوار، لأنه لم يكن مجرد ظهور إعلامي عابر للأمير محمد بن سلمان، وإنما هي بمثابة «خارطة طريق» من المهم البناء على ما جاء فيها.

اقتصادياً، هنالك زخمٌ كبير، يظهر من خلال مشاريع تنموية عملاقة، تتعلق بتنوع مصادر الدخل، وبناء مدن حديثة كما في مشروع «ذا لاين»، فضلاً عن توفير فرص عملٍ للشباب السعودي، ودفعهم للاندماج في السوق المحلي.

رياضياً، وفنياً، وحتى ثقافياً، هنالك حراك مستمر، دون إغفال العمل البعيد عن الأضواء الذي يعلن عنه بين فينة وأخرى حول تجديد الأنظمة والقوانين، ووضع تشريعات قضائية حديثة، تضمن الشفافية والعدالة والبعد عن الأحكام الظنية، والرجوع إلى «أدلة الإثبات»، وكل هذه القوانين من شأنها أن تخلق بيئة جاذبة للاستثمارات الأجنبية، وتحافظ على حقوق الناس، وتمنع عنهم الغبن والضرر.

بموازاة ذلك، هنالك محاورُ رئيسة في حديث ولي العهد، الأخير، وما سبقه من حوارات، تركز على: الهوية، العروبة، الإسلام، إصلاح الخطاب الديني، ودور المواطن السعودي في تحقيق أهداف «رؤية المملكة 2030».

هذه النقاط، تحتاج لأن يتم الاشتغال على البناء المعرفي والفلسفي الخاص بها، وصياغة رؤية ثقافية واسعة متعددة المستويات، مدنية، تشرح للناس معنى «الهوية السعودية»، وكيف أن «المواطنة» هي ركنٌ ركينٌ فيها، وأنها قائمة على التعددية، التنوع، وقوة السعودية ومكانتها كقاطرة تغيير كبرى ليس في الخليج العربي وحسب، بل في العالم الإسلامي.

بناء الوعي الجمعي بمفهوم «الهوية الوطنية»، وارتباطها بالعروبة والإسلام بوصفهما مكونين رئيسين لها، هو مدخلٌ ضروري لإدراك الهدف من حديث الأمير محمد بن سلمان في أكثر من مناسبة عن «الإسلام النقي»، أي ذلك التدين الفطري الطبيعي، البعيد عن التعصب والتحزب والكراهية، لأن نقد الخطابات الطائفية والراديكالية، وتخليص «الدين» من عوامل التفجر التي زرعها الدعاة المتشددون، سيدفع الناس إلى الاندماج في الحياة بعُقدٍ أقل، وتكون نظرتهم أكثر رحمانية، وعلاقاتهم مع الآخرين من حولهم مبنية على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة والعيش المشترك.

المشكلة تكمن في أن «البعض عاجزٌ عن استيعاب أفكار الأمير وعمقها وشمولها ومآلاتها المستقبلية، ومنها أن بعضها أشمل بكثير من السعودية كدولة، بل هي تشكل مخرجاً حضارياً لكل الدول المسلمة»، كما كتب عبدالله بجاد العتيبي، في مقال له نشر في صحيفة «الشرق الأوسط»، 6 مارس الماضي.

استيعاب هذه الأفكار، سيقود لأن يُجترح خطاب عام متين وحصيف، في مؤسسات الدولة، والمجتمع المدني، يستطيع مخاطبة الجيل الذي يستهدفه الأمير محمد بن سلمان في أحدايثه، ف» الجيل الذي تعوّل عليه رؤية الأمير هو الذي لم يتلوّث بعد بالآيديولوجيات»، كما يقول فهد الشقيران، بمقالته في «الشرق الأوسط» 17 مارس الماضي، مشدداً على أنه «إن لم يكن ثمة قيم مشروحة تمكنه من الانطلاق مع العالم والمجتمعات والحضارات فسيأتي من يمنعه من التطوّر ويعيقه عن الانفتاح، وهذا وجه الخطورة في حال وجد من يجهل المعنى الأسمى والمقصد الأعلى للحوار التاريخي بكل معنى الكلمة».

هي «ورشة عمل كبرى» على الجميع الانخراط فيها، لأن السعودية التي يرادُ لها أن تكون، هي مملكة للتنوير والتحديث والتنوع الثقافي والتسامح الديني، والتغيير الذي يجعل منطقة الشرق الأوسط أكثر استقراراً وتنميةً وسلاماً.