إذا رزقكم الله بُنيَّة سموها خديجة!
سمّوها خديجة، فإذا الله جعل فيها شيئًا من صفات خديجة، وأحبت محمدًا صلى اللهُ عليه وآله، كان عنوان قصرها في الجنَّة جوار قصر خديجة، على جهة اليسار أو على جهة اليمين. طوبى لمن كانت فيها صفاتٌ من خديجة، عزّ وغنى وسيادة ومجد وفخر وحسن وجمال وإمرة وعفَّة وإيمان!
أنا أعتذر لجنابكم الكريم عن المضيّ في سرد صفات خديجة لأنني لا أستطيع، وسوف أملأ الصفحات! لهذا يكفي شهادة النبيّ محمد صلى اللهُ عليهِ وآله فيها: ”إن الله تعالى اختار من النِّساء أربع: مريم، وآسية، وخديجة، وفاطمة“. وعليكم قراءة سيرتها - الذين آمنتم - فهي أمكم للتعرف عليها عن قرب.
واعذرني عن وصف حزن النبيّ محمد صلى اللهُ عليه وآله - في مثل هذا اليوم - عندما ماتت خديجة في العاشرِ من شهر رمضان، ماتت هي وعمه أبو طالب في ذاتِ العام فسمّاه عامَ الحزن. وإن كان من أحد يستطيع وصف وتصوير حزن النبيّ محمد صلى اللهُ عليهِ وآله، فهل من أحدٍ يستطيع أن يصف حزن ابنتها، فاطمة الزهراء، في هذه الساعات؟!
لا تبكون للميت وابكوا للحي، عزوا محمدًا صلى اللهُ عليه وآله في مثل هذا اليوم في أجمل وأطهر حبّ في حياته، وقفت معه كتفًا بكتف، أصلب وأقوى من كثيرٍ من الرجال، لا مال ولا وجاهة ادّخرت في نصرته. هذا هو الربح الوفير، فما خسرت خديجة من مال، وما قاست من محن، في سنواتٍ معدودات، أبدلها الله ما هو خيرًا منه في الآخرة. وإن كنتم تظنون أن قصور الجنَّة والأكل والملبس الفاخر هي الجوائز الثمينة، فما رأيكم بصحبة ورفقة حبيبها الأوحد - النبيّ محمَّد - صحبةً دائمة، لا يعكر صفوها حصار قريش ولا قسوة كفارها؟!
لأجل هذا، يجمل بنا ويحلو لنا - رجالًا ونساءً - أن نسمع ونقرأ في سيرة حياة أمنا خديجة ، من أولها إلى آخرها. سيرة ما أجملها، حتى في لحظات موتها، والنبي ترتسم الكآبةُ على محياه، كانت تستحي منه. وقد جاء في كتب السير أنه لما اشتد مرضها طلبت من فاطمة أن تطلب رداء أبيها ليكون كفنًا لها وأمانًا في القبر، فكان لها كفنان، كفن من الله من أكفانِ الجنة وكفن من رسول الله صلى الله عليهِ وآله!
عزيزي القارئ الكريم: هذه الخاطرة ليست دعوة للحزن في يوم وفاة السيدة خديجة ، بقدر ما هي دعوة للتعرف عليها والاستزادة من نورها، وترغيب الشابَّات والشبَّان بالنظر في سيرتها، وكيف أصبحت امرأةً كاملة. إذ هي لم تُعط صفة الكمال لأن اسمها خديجة أو لأنها تزوجت بالنبي محمد صلى الله عليهِ وآله، إنما بما اكتسبته من فضائل بذاتها وبجهدها. ومع أنها تركت إرثًا ضخمًا في الإيمان والآخرة، إلا أنها أيضًا تركت لمن أراد ألف بابٍ وباب للإبداع والنجاح في الدنيا!