الكاتبة الزاهر: شهر رمضان أصبح شهرا استهلاكيا نتيجة التلوث بقيم بالحداثة
- أنا كاتبة شرِهة أُحوّل خيبة آمالي إلى تحفة فنية من الكلمات وأصنع جسرًا مع الناس.
- كانت أطباق والدتي تصل لسابع جار وكنت لا أعود لمنزلي إلا بطبق أو أكثر.
- عندما صُمت رمضان في مدينة لندن شعرت بغربة الشهر الكريم.
- ما زلنا نعشق أطباقنا الأصيلة التي نُقشتْ أسماؤها في الذاكرة.
بلهجة حازمة انتقدت الكاتبة ليلى للزاهر تحول شهر رمضان إلى ”شهر استهلاكي“ حسب تعبيرها، معللة ذلك بتلوّث قيم الناس بالحداثة إذ قلّت النفحات الروحانية واُستُهلك شهر رمضان بكثرة ارتياد الناس لِمحال التموين وشراء السلع الغذائية الرمضانية، وعدم الالتفات لجوهر الصيام الحقيقي.
وعبرت عن سعادتها في لقاء رمضاني ممتع مع صحيفة جهينة الإخبارية عن اختفاء اسم كورونا من أحاديثنا، واصفة إياه ب ”انتصار لعودة الكثير من ملامح الحياة الرمضانية السابقة التي من أهمها مجالس الذكر القرآني وعودة التلاحم الأسريّ وزيارة الأقارب، وصلة الأرحام بجميع أشكالها“
فإلى نص الحوار..
لقد نشأنا على أن شهر رمضان فرصةٌ كبيرة لإصلاح النّفس وفلترة القلوب لذلك يجب استغلال أيامه ولياليه بما يفيد المؤمن؛ لوجود مميزات كثيرة تميزه عن بقية شهور السنة.
وقدوتنا في ذلك الرسول الكريم ﷺ فقد كان يصوم نهاره ويقوم شطرا من ليله، وبما عُرف عن سرعة انصرام أيامه الفضيلة كان واجبًا علينا إكرام هذا الضيف العجول.
من جانب آخر فقد ذكر الرسول الكريم مميزات كثيرة لشهر رمضان المبارك في خطبته مما يجعلنا نتأمل ونُعمل تفكيرنا جيدا في عظمة هذا الشهر، ومن أهم تلك المميزات التي اختصّ بها الشهر الكريم: قبول العمل.. واستجابة الدعاء، وهما أمران يحرص عليهما المؤمن في أيامه المعتادة ويطرق السُّبل المختلفة لقبول أعماله، «نسأل الله القبول».
يقول الرسول الكريم: «وتوبوا إلى الله من ذنوبكم وارفعوا إليه أيديكم بالدعاء في أوقات صلاتكم فإنها أفضل الساعات ينظر الله فيها إلى عباده بعين الرحمة، يجيبهم إذا ناجوه ويلبيهم إذا نادوه ويعطيهم إذا سألوه ويستجيب لهم إذا دعوه»، فهنيئا للصائمين القائمين في هذا الشهر الفضيل لأنهم قد أجّلوا كلّ الملذات والكماليات لوقت آخر وأرادوا استغلال بركة هذا الشهر واقتصروا على فعل الخيرات.
إنّ اختفاء اسم كورونا من أحاديثنا كان انتصارا لعودة الكثير من ملامح الحياة الرمضانية السابقة التي من أهمها مجالس الذكر القرآني وعودة التلاحم الأسريّ وزيارة الأقارب، وصلة الأرحام بجميع أشكالها.
أما على المستوى العائلي فشهر رمضان يحمل بين أيامه ولياليه أجمل اللحظات السعيدة لوالدتي حيث تزامنت ولادة أمي لسبعة من أبنائها في الشهر الفضيل وهذا الحدث السعيد جعلني أستذكر موعد ولادة كلّ واحد من أخوتي وأخواتي خاصة أخي الأصغر مني الذي كنا ننتظر قدومه في شهر رمضان فما كان لأمي إلا أن تضعه في ليلة عيد الفطر السعيد.
أنا كاتبة شرِهة، أُحوّل خيبة آمالي إلى تحفة فنية من الكلمات والحروف وأصنع جسرًا بيني وبين الناس بتلمّس جراحهم؛ لذلك أقتطع جزءا من وقتي - وغالبًا ما يكون بعد صلاة الظهر - وأمتطي صهوة يراعي معتكفة أسمعُ ابتهالات ريشتي في الشهر الكريم وهي ترسم الكلمات وتزاوج بينها.
وكلّما ساورتني فكرة أو خامرتني خاطرة أكنْ تحت طوع أمرها في كلّ وقتٍ ويخبو شعاع قلمي قليلا في الشهر الكريم لأنها أوقات ثمينة يجب استثمارها استثمارًا حقيقيا في قراءة كتاب الله والتّوجه لله تعالى بما يعود على الإنسان بالنفع في الدنيا والآخرة.
لذلك تقلّ كتاباتي نوعا ما في الشهر الكريم لأنني أُسخّر أغلب وقتي للتدبر القرآني. نسأل الله أن يمحو سيئات أعمالنا بفضل هذا الشهر الكريم، فنحن بحاجة للرجوع لله تعالى، وما أشدّ اتّساع باب التوبة للخطائين أمثالي.
ولن أنسى اللحظات الجميلة التي كنا ننتظر فيها سماع صوت المسحر «الحايك» رحمه الله تعالى، ونفرح كثيرا عندما يردد كُنْية والدي عند باب منزلنا.
كان فيه الكثير من التّرفع عن توافه الدنيا وترهاتها واتّصال عميق بالله تعالى.
والبعض الآخر اتجه للمطابخ العالمية مثل المطبخ الإيطالي الذي احتلّت أطباقه الموائد العربية مثل الباستا والريزوتو، والبيتزا والفوتشيني الفريدو.
هذا بجانب بعض الأطباق الصينية السائدة بكثرة مثل النودلز والسوشي. ولكن مازلنا نعشق أطباقنا الأصيلة التي نُقشتْ أسماؤها في ذاكرتنا الزمنية جيلا بعد جيل فلا تحلو السفرة الرمضانية من الهريس واللُقيمات الشهيّة التي تأسر جميع الأذواق على اختلاف الأعمار.
أيها الناس: «من حسن منكم في هذا الشهر خلقه كان له جوازا على الصراط يوم تزل فيه الأقدام».
أخيرًا: كلّ الشكر لصحيفة جهينة لتغطياتها الجميلة واستقلالها في تحليلاتها الخاصة، وتفاعلها المميز في كافة الأنشطة على مختلف الأصعدة.
وأخصُّ بالذكر الأستاذ زهير العبدالجبار والعزيزة نداء ال سيف. وأهنّئ جميع طاقم جهينة بحلول شهر رمضان المبارك وأدعو لهم بالازدهار والنجاح. جعل الله التوفيق حليف خطاهم. وكل عام والجميع بخير.