آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 6:02 م

الكاتبة الزاهر: شهر رمضان أصبح شهرا استهلاكيا نتيجة التلوث بقيم بالحداثة

جهات الإخبارية نداء آل سيف - القطيف

- أنا كاتبة شرِهة أُحوّل خيبة آمالي إلى تحفة فنية من الكلمات وأصنع جسرًا مع الناس.

- كانت أطباق والدتي تصل لسابع جار وكنت لا أعود لمنزلي إلا بطبق أو أكثر.

- عندما صُمت رمضان في مدينة لندن شعرت بغربة الشهر الكريم.

- ما زلنا نعشق أطباقنا الأصيلة التي نُقشتْ أسماؤها في الذاكرة.

بلهجة حازمة انتقدت الكاتبة ليلى للزاهر تحول شهر رمضان إلى ”شهر استهلاكي“ حسب تعبيرها، معللة ذلك بتلوّث قيم الناس بالحداثة إذ قلّت النفحات الروحانية واُستُهلك شهر رمضان بكثرة ارتياد الناس لِمحال التموين وشراء السلع الغذائية الرمضانية، وعدم الالتفات لجوهر الصيام الحقيقي.

وعبرت عن سعادتها في لقاء رمضاني ممتع مع صحيفة جهينة الإخبارية عن اختفاء اسم كورونا من أحاديثنا، واصفة إياه ب ”انتصار لعودة الكثير من ملامح الحياة الرمضانية السابقة التي من أهمها مجالس الذكر القرآني وعودة التلاحم الأسريّ وزيارة الأقارب، وصلة الأرحام بجميع أشكالها“

فإلى نص الحوار..

بطاقة تعريفية؟

ليلى الزاهر.. معلمة لغة عربية، ربّة منزل وأم لشابين وفتاتين، أعشق الكتابة وكثيرا ما أناجي حروفي.

ما يمثل لكم رمضان في الذاكرة الزمنية؟

يحمل شهر رمضان المبارك في ذاكرتي الزمنيّة كلّ معاني البهجة والسعادة فشهر رمضان ضيف كريم مُرحب بقدومه، يستقبله المسلمون بشوق وفرح، وتنزل فيه رحمة الله بعباده نزول الندى على الخميلة وأهم ما علق في ذاكرتي منذ كنا صغارًا التّزود من مجالس العلم والبحث الدينيّ وختم القرآن الكريم في أفضل الساعات الزمنيّة.

لقد نشأنا على أن شهر رمضان فرصةٌ كبيرة لإصلاح النّفس وفلترة القلوب لذلك يجب استغلال أيامه ولياليه بما يفيد المؤمن؛ لوجود مميزات كثيرة تميزه عن بقية شهور السنة.

وقدوتنا في ذلك الرسول الكريم ﷺ فقد كان يصوم نهاره ويقوم شطرا من ليله، وبما عُرف عن سرعة انصرام أيامه الفضيلة كان واجبًا علينا إكرام هذا الضيف العجول.

من جانب آخر فقد ذكر الرسول الكريم مميزات كثيرة لشهر رمضان المبارك في خطبته مما يجعلنا نتأمل ونُعمل تفكيرنا جيدا في عظمة هذا الشهر، ومن أهم تلك المميزات التي اختصّ بها الشهر الكريم: قبول العمل.. واستجابة الدعاء، وهما أمران يحرص عليهما المؤمن في أيامه المعتادة ويطرق السُّبل المختلفة لقبول أعماله، «نسأل الله القبول».

يقول الرسول الكريم: «وتوبوا إلى الله من ذنوبكم وارفعوا إليه أيديكم بالدعاء في أوقات صلاتكم فإنها أفضل الساعات ينظر الله فيها إلى عباده بعين الرحمة، يجيبهم إذا ناجوه ويلبيهم إذا نادوه ويعطيهم إذا سألوه ويستجيب لهم إذا دعوه»، فهنيئا للصائمين القائمين في هذا الشهر الفضيل لأنهم قد أجّلوا كلّ الملذات والكماليات لوقت آخر وأرادوا استغلال بركة هذا الشهر واقتصروا على فعل الخيرات.

ما هي المواقف الرمضانية العالقة في الذاكرة حتى الآن؟

من المواقف الرمضانية التي لا زلت أتذكرها أول يوم صام فيها أحد أبنائي، حيث لم يستطع إتمام الصيام في اليوم الأول فشعرتُ عندها بواجبي كأم بزرع حب الصيام في نفسه وتدريبه على الضوابط المهمة في صيام شهر رمضان، وأنّه يقوم بعمل بطوليّ يراه الله تعالى ويشكر له صنيعه، وشيئا فشيئا بدأ يصوم إلى أن اعتاد على ذلك.

أخبار سارة حدثت لكم في رمضان؟

حلّ شهر رمضان هذا العام تزامنا مع قرب انتهاء زمن الجائحة وهذا الأمر من النعم العظيمة التي منّ بها الله علينا.

إنّ اختفاء اسم كورونا من أحاديثنا كان انتصارا لعودة الكثير من ملامح الحياة الرمضانية السابقة التي من أهمها مجالس الذكر القرآني وعودة التلاحم الأسريّ وزيارة الأقارب، وصلة الأرحام بجميع أشكالها.

أما على المستوى العائلي فشهر رمضان يحمل بين أيامه ولياليه أجمل اللحظات السعيدة لوالدتي حيث تزامنت ولادة أمي لسبعة من أبنائها في الشهر الفضيل وهذا الحدث السعيد جعلني أستذكر موعد ولادة كلّ واحد من أخوتي وأخواتي خاصة أخي الأصغر مني الذي كنا ننتظر قدومه في شهر رمضان فما كان لأمي إلا أن تضعه في ليلة عيد الفطر السعيد.

باعتبارك كاتبة... هل يؤثر شهر رمضان على عادات الكتابة عندك؟

يُقال إنّ الكتابة فعلُ خلاصْ، إنّها تُسكّن أوجاعَ الكاتبِ، تفضحُ عشقه لبنات أفكاره التي ما تلبث أن تظهر في كل مناسبة.

أنا كاتبة شرِهة، أُحوّل خيبة آمالي إلى تحفة فنية من الكلمات والحروف وأصنع جسرًا بيني وبين الناس بتلمّس جراحهم؛ لذلك أقتطع جزءا من وقتي - وغالبًا ما يكون بعد صلاة الظهر - وأمتطي صهوة يراعي معتكفة أسمعُ ابتهالات ريشتي في الشهر الكريم وهي ترسم الكلمات وتزاوج بينها.

وكلّما ساورتني فكرة أو خامرتني خاطرة أكنْ تحت طوع أمرها في كلّ وقتٍ ويخبو شعاع قلمي قليلا في الشهر الكريم لأنها أوقات ثمينة يجب استثمارها استثمارًا حقيقيا في قراءة كتاب الله والتّوجه لله تعالى بما يعود على الإنسان بالنفع في الدنيا والآخرة.

لذلك تقلّ كتاباتي نوعا ما في الشهر الكريم لأنني أُسخّر أغلب وقتي للتدبر القرآني. نسأل الله أن يمحو سيئات أعمالنا بفضل هذا الشهر الكريم، فنحن بحاجة للرجوع لله تعالى، وما أشدّ اتّساع باب التوبة للخطائين أمثالي.

هل اختلفت الأجواء الرمضانية عن السابق كثيرا؟

هو ذلك الاختلاف المُصاحب لتغيير البنية الاجتماعية وأنماط الحياة وهيكلتها المختلفة. لقد أصبح شهر رمضان شهرا استهلاكيا عندما تلوّثت قيم الناس بالحداثة إذ قلّت النفحات الروحانية واُستُهلك شهر رمضان بكثرة ارتياد الناس لِمحال التموين وشراء السلع الغذائية الرمضانية، وعدم الالتفات لجوهر الصيام الحقيقي، يقول رسولنا الكريم - ﷺ: «لو علمتم ما في رمضان من خير لتمنيتم أن تكون السنة كلّها رمضان».

ما تحملين من ذكريات الطفولة في شهر رمضان؟

تختزن ذاكرتي الطقوس الجميلة التي كنا نعيشها في شهر رمضان فقد كانت أمي تسند لي مهمة توزيع الأطباق الرمضانية حيث كانت أطباقنا تصل لسابع جار، وكنت لا أعود لمنزلي إلا بطبق أو أكثر تعطيني إياه إحدى الجارات.

ولن أنسى اللحظات الجميلة التي كنا ننتظر فيها سماع صوت المسحر «الحايك» رحمه الله تعالى، ونفرح كثيرا عندما يردد كُنْية والدي عند باب منزلنا.

هل صمت خارج الوطن وكيف وجدتم الأجواء الرمضانية في الخارج قياسا على البلد؟

نعم صمت كثيرًا خارج الوطن وعشتُ حياة الشوق اللافح للأهل والأحباب فعندما صمت في مدينة لندن شعرت بغربة الشهر الكريم فضلًا عن التعب الناجم عن الصوم لساعات طويلة. أما الصوم في مدينة مشهد «منذ أكثر من عشر سنوات» عند مرقد الإمام الرضا سلام الله عليه فقد كان الوضع مختلفًا حيث كان الصيام مثل بوح الورد للورد وتحيات السحاب للجداول العذبة.

كان فيه الكثير من التّرفع عن توافه الدنيا وترهاتها واتّصال عميق بالله تعالى.

من هم الأحباب الذين يحضرون في الذاكرة بمجرد دخول رمضان؟

لثلاث سنوات مضت يأخذني الشوق لمن تغرّب من أبنائي خارج الوطن للدراسة فلهم نصيب كبير جدًا من الحنين حال دخول الشهر الكريم. وأحملُ مشاعر كلّ أمّ ينازعها الشوق لغياب أبنائها في أيام الشهر الفضيل لأيّ سبب كان.

ما هي الوجبات الرئيسية المفضلة على المائدة الرمضانية؟

كنا سابقًا نتغنى بأطباق الشهر الكريم المشهورة والمتوارثة كفلكلور شعبي مُمْتِع مثل الخبيص والهريس والثريد والممروس والمنثور واللقيمات وغيرها. أما في الوقت الحالي فنحن محكومون بأذواق شبابية مختلفة؛ فالبعض يميل للأكل الصحيّ الموزون بحسابات مخصوصة.

والبعض الآخر اتجه للمطابخ العالمية مثل المطبخ الإيطالي الذي احتلّت أطباقه الموائد العربية مثل الباستا والريزوتو، والبيتزا والفوتشيني الفريدو.

هذا بجانب بعض الأطباق الصينية السائدة بكثرة مثل النودلز والسوشي. ولكن مازلنا نعشق أطباقنا الأصيلة التي نُقشتْ أسماؤها في ذاكرتنا الزمنية جيلا بعد جيل فلا تحلو السفرة الرمضانية من الهريس واللُقيمات الشهيّة التي تأسر جميع الأذواق على اختلاف الأعمار.

هل تخصصين وقتا للجانب الاجتماعي والعائلي في شهر رمضان؟

بلا شك، خُلقتُ اجتماعية بطبعي وفطرتي محبة الناس والاجتماع بهم، واللقاء الاجتماعي في شهر رمضان يتصدّر قائمة جدولة نشاطاتي المختلفة في الشهر الفضيل كما أُخصص وقتا للقاء صديقاتي وقريباتي وأحرص على أن أنهي أيّ لقاء اجتماعيّ أو عائليّ قبل منتصف الليل. ولأمي وأبي نصيب الأسد في الزيارات الرمضانية.

هل تفضلين الإفطار مع الأسرة الصغيرة أو العائلة الكبيرة؟

ذكرتُ من قبل لا غنى لي عن أمي وأبي في شهر رمضان المبارك فهما أول من أقصد حال خروجي من منزلي وغالبا ما تراني أحمل إفطاري مُتجهة لمنزل والديّ لمشاركتهما إفطارهما بين يومٍ وآخر. فأسرتي الصغيرة لها نصيب كبير من الحبّ وأسرتي الكبيرة لا غنى لي عنها مطلقا.

كلمة أخيرة..

نحن في شهر تبتلع أيامه الساعات والدقائق ويمضي سريعًا ويكفيه فخرًا أنه ابتدأ فيه الوحي ونزل فيه القرآن واُختصّ بليلة القدر ويُضاعف فيه الأجر والثواب «فأخلصْ العمل فإن الناقد بصير»، وأجمل ما في شهر رمضان المبارك أن تُغلّ الشياطين فيه ويعود الإنسان لقلبه البكر، النقي فيعفو عمّن أساء إليه ويعتق أخيه الإنسان من رقّ الحقد والبغض كما يعتق الله رقابنا من النّار برحمته.

أيها الناس: «من حسن منكم في هذا الشهر خلقه كان له جوازا على الصراط يوم تزل فيه الأقدام».

أخيرًا: كلّ الشكر لصحيفة جهينة لتغطياتها الجميلة واستقلالها في تحليلاتها الخاصة، وتفاعلها المميز في كافة الأنشطة على مختلف الأصعدة.

وأخصُّ بالذكر الأستاذ زهير العبدالجبار والعزيزة نداء ال سيف. وأهنّئ جميع طاقم جهينة بحلول شهر رمضان المبارك وأدعو لهم بالازدهار والنجاح. جعل الله التوفيق حليف خطاهم. وكل عام والجميع بخير.