خدمة المكفوفين وامتاع عشاق الكتب الصوتية تطلع الروائي آل زايد
جهات الإخبارية حوار: أ. منال الخويطر - منتدى آفاق العروبة
يغفل أغلب الكتّاب عن النظر لأصحاب الإعاقات البصرية، وفي لفتة إنسانية صرفة يتطلع الكاتب والروائي السعودي عبدالعزيز آل زايد، لدعم وتثقيف شريحة المكفوفين وفاقدي البصر، عبر تبني مشروع نبيل هو دعم المكفوفين بانتاج كتب صوتية، وللتوسع في مشروعه منحنا الكاتب آل زايد إجراء هذا الحوار الذي بدأناه بالتحية والترحيب.
الكاتب والأديب السعودي عبدالعزيز، من خلال معلومات خاصة تعرفنا على اهتمامك بشريحة المكفوفين، فلماذا الاهتمام بالعميان؟
لدي علاقة وجدانية مع المكفوفين المعاصرين والراحلين، فالله سبحانه وتعالى ابتلى ثلة من الناس بفقد البصر، ولا يعني ذلك فقد البصيرة والثقافة، فكم من رجل أعمى هو فريد عصره ونابغة دهره رغم الإعاقة؟، والنماذج أبرز من أن تذكر، منهم: بشار بن برد، أبو العلاء المعري، طه حسين، وسواهم، فمن يقرأ في كتاب الأيام أو دعاء الكروان يلحظ إبداع العميد، ومن يقرأ رسالة الغفران واللزوميات يدرك عمق المعري، أما بشار فحسبنا قطفة من قطفات شعره يقول فيها:
كَأَنَّ مُثارَ النَقعِ فَوقَ رُؤُسِنا
وَأَسيافَنا لَيلٌ تَهاوى كَواكِبُه
بَعَثنا لَهُم مَوتَ الفُجاءَةِ إِنَّنا
بَنو المُلكِ خَفّاقٌ عَلَينا سَبائِبُه
فَراحوا فَريقًا في الإِسارِ وَمِثلُهُ
قَتيلٌ وَمِثلٌ لاذَ بِالبَحرِ هارِبُه
فرغم هذه الإعاقات إلا أنّ كثير من المكفوفين تميز وحلّق وطبق، فلماذا لانهتم بالعميان؟، وهم أخوة لنا ابتلاهم الله بالفقد، وكلنا عرض له أو لغيره.
هل لك أن تشرح لنا مشروعك الثقافي الذي تنوي الشروع فيه لخدمة العميان؟
لا يزال المشروع فتيًا، ومن الجيد الصدع به، فالهدف أن يقام على سوقه، بغض النظر عمن يؤسسه أو يعود الفضل في تأسيسه له، ليس المهم الزخرف والزبد إنما المهم ما يبقى وينفع الناس، المشروع لا ينحصر في خدمة العميان فقط، بل هو لكل من يمتلك آذان ويعشق الاستماع، المشروع هو تكوين مكتبة صوتية ثقافية وأدبية، لسد حاجة وجدناها الآن ملحة للأصدقاء المكفوفين وعشاق الكتب الصوتية، البادرة تحتاج لدعم، ويلزمها فريق عمل جاد، ولا يمنع أن نسير نحوها بتحويل بعض كتبنا لملفات صوتية تسد فراغ الأخوة الفاقدين للنور، وتنعش عشاق الكتب الصوتية، هناك بعض المشاريع الصغيرة في هذا الصدد بدأت ونتوقع أن تنافس المنصات الكبيرة والبارزة إن كتب الله لها التوفيق، فالمشوار البعيد يبدأ بخطوة، ومن سار على الدرب وصل.
قبل التوجه لانتاج الكتب الصوتية، هل فكرت بطباعة كتبك بطريقة برايل؟، وأيهما أهم بالنسبة لك؟
بالنسبة لنا الكتب الصوتية أهم لكونها تخدم الكفيف وغير الكفيف، بينما الكتب بطريقة برايل تلامس شريحة ضيقة، ومع ذلك تحركنا لها، إلا أنّ بعض الأصدقاء المكفوفين نصحنا بالتوجه للكتب الصوتية، وأشار أن الكتب المطبوعة بطريقة برايل قليلة الاستخدام مقارنة بالكتب الصوتية، فالهدف الثقافة قبل القراءة، ولا يعني أن انتاج كتب بطريقة برايل لا فائدة بها، عليه ينبغي أن نخدم الكفيف بما يراه مناسبًا له، لا بما هو مناسب لنا، فهو أعرف بحاله، لخوضه التجربة الفعلية.
من أين ولدت لك فكرة الانتاج الصوتي؟، وهل هي تجربة مكلفة أم لا؟
كل شيء له كلفة، وكلما كان الاتقان رفيقًا كان مؤشر التكلفة مرتفعًا، فمن أين ولدت الفكرة؟، واجهتني مشكلة ضيق الوقت، حيث لم أتمكن من الهروب من المدرسة لقراءة الكتب، كما فعلها كبار الكتّاب في بواكير طفولتهم، لهذا وجدت حلًّا لمشكلتي عبر الاستماع إلى الكتب الصوتية المخصصة للعميان وهواة الاستماع للكتب الصوتية، ومن هنا تعلقت أذني بالمفيد من الكتب الصوتية، فوجدتها وسيلة نافعة للمكفوفين ومن لا يجدون الوقت الكافي لالتهام الكتب الوفيرة، وبفضل هذه الفكرة استطعت معرفة ما يستجد على السوق من مؤلفات، هنا عزمت على الالتحاق بركب انتاج الكتب الصوتية التي ستحرج كل من ادعى عشق الثقافة وتعذر بقلة الفراغ.
كيف يتسع لك الوقت للاستماع للكتب، ومزاولة التأليف والقراءة، وأنت موظف على رأس العمل؟، هل لك أن تكشف لنا عن كتابك الصوتي الأول؟
بالنسبة لكتابنا الصوتي الأول، لا نرغب في الانجرار وراء المهتمين بالسبق الصحفي، فالأمور تأخذ دورتها الطبيعية ثم يأتي فصل الربيع، القصة تبدأ من تجربة ملأ الوعاء، فالوعاء المملوء بالحجارة، بالإمكان أن يملأ بالرمل، والوعاء المملوء بالرمل، ممكن أن يملأ بالماء، فهو بالفعل وعاء واحد لكنه يتسع لثلاثة، للحجارة ثم للرمل ثم للماء، حينما يكون الترتيب متسقًا، ببساطة هناك في حياتنا فجوات وثغور ضائعة، من يلتفت لها يجد الوقت، فقد قرأت أن أحدهم يقرأ الكثير من الكتب في لحظات انتظار إشارة المرور، وأنا كذلك أكسب وقت الاستماع في الأوقات الضائعة، كلحظات السياقة والاستحمام ووجبات الطعام وسواها، الوقت 24 ساعة للجميع، فمن يكسب الأوقات الضائعة يصنع الفرق.
ما صحة ما بلغنا؟، هل بالفعل تستهدف خدمة المكفوفين؟، أم أنت تفتح قنوات جديدة لشرائح جديدة لاقتناء كتبك؟
سؤال صريح، يحتاج لإجابة صريحة، المكفوفين على أنواع، فهناك مكفوف فاقد البصر، وهناك مكفوف لديه البصر، لكنه لا يستخدمه في القراءة، وفي نظري هي مشكلة أكثر ألمًا من مشكلة الإعاقات البصرية، فلماذا لا يقرأ المبصرون الأكفاء؟، لا نحمل المشكلة كاملة على العازفين عن القراءة، فالحكومات العربية لا تفسح للمواطنين وقتًا كافيًا للقراءة، فالقراءة تحتاج لجهد، ولا تنسجم مع العامل الكادح الذي يؤوب إلى فراشه متعبًا، ومن الخطأ أن نرى المواطن القارئ عائقًا لنماء مجتمعه ودولته، فلا يكون النماء الحقيقي إلا من خلال القرّاء، فالإجابة نعم نستهدف خدمة المكفوفين من يمتلك البصر ومن لا يمتلكه، فالهم ثقافي صرف في المقام الأول.
هناك من تكهن لك بروزًا لافتًا في الأعوام المقبلة، أين ترى نفسك في مثل هذه التوقعات؟
إذا تعلمنا من الكتب والعلوم والمعارف شيئًا فهو أن نكون متواضعين على الدوام، يلزم أن نتواضع دائمًا وابدًا، وهي السجية التي ينبغي علينا جميعًا التحلي بها قراءً وكتّابًا، ولا يعني هذا التواضع أن نقلل من الطموحات والتطلعات، نعم ينبغي لكل واحد فينا أن يكون طه حسين والعقاد وأنيس منصور، وسواهم، وإلا فلا معنى للحياة، إذا دخلنا في دار وانتقلنا إلى دار دون أن نحدث أثرًا، بل ينبغي لنا أن نحدث النقلة الفارقة، وهذا التطلع ما يضعنا على المحك.
الوقت يمضي على الجميع ولا يعود، وانتهاء هذا الحوار خير شاهد، فماذا تقول أمام ماكينة الحياة التي تسير ولا تتوقف؟
ومن قال أن الوقت هو الذي يتقدم بنا فقط، لننظر أيضًا لهذه الفوائد التي نتحدث بها، فكما أنّ الوقت يعمل فينا عمله، فنحن كذلك نصنع فيه صنائعنا، فالمؤلفات والكتب والانتاجات خير دليل على أن لكل عامل مبدع بصمة في هذه الحياة، وعلينا بالفعل أن نوقد الشموع بدلًا من إطفائها.
نشكر لك اتاحة هذه الفرصة وإلى لقاء قريب في حوار آخر