شوقي لسيرة أبي شوقي
قبل حوالي 10 سنوات تزيد أو تنقص قدّمت مقترح إلى إحدى مؤسسات التصوير والإنتاج الناشئة بأن يكون الإعلان لها لولوجها للسوق المحلي بشكل مغاير لما تسير عليه باقي المؤسسات أو الشركات، فكانت فكرتي بأن تقوم هذه المؤسسة بطرح نفسها عن طريق تبنيها تصوير وإخراج فيلم قصير يتناول حياة أحد الوجوه البارزة والخالدة في ذاكرة المجتمع القطيفي، عالم دين، مثقف، روائي، شاعر، طبيب، مهندس، معلم، أو غيرهم ممن ترك بصمة على صفحات هذا المجتمع والوطن، ولا أخفي عليكم بأن أصابعي كانت تشير في المقام الأول إلى رجالات الدين، ولكن للأسف لم يرى ذلك المقترح النور حتى يومنا هذا.
فأنا كنت وما زلت أعشق سبر أغوار السير الذاتية ”المذكرات“ فهي نتاج خبرات متراكمة وخلاصة حياة سنين طوال من الجهد والشقاء أو النعيم والرخاء الذي عاشه المترجم له، خاصة إذا ما سطرت صفحات تلك السيرة بقلمه وكان صادقاً في النقل والطرح والتحليل ولو جاءت بعد حين.
قبل بضعة أيام نفضت الغبار عن أحد كتب السير الذاتية وبعيداً عن الكاتب والكتاب وأسباب التأليف وما جاء فيه، فقد كان بما فيه من حقائق أو عجائب وغرائب قد خط بقلم سهل وسلس وسيال بعيداً عن فتل العضلات والمصطلحات والتركيبات اللغوية المعقدة.
لقد طرق مسامعي اسم هذا الرجل الشهم النبيل والمحب والعاشق للعمل والعمل الوطني على وجه الخصوص لأول مرة على لسان الكاتب باقر بن علي الشماسي ”أبو سلام“ رحمه الله فقد كان يخصه بالذكر في مواطن كثيرة عندما كنا نتسامر على الماضي الجميل لهذه الأرض المباركة ورجالاتها، فكان لهذا الرجل الحظ الأوفر من الذكر الطيب وخاصة إذا ما عرجنا في سمرنا إلى الجانب الثقافي وهو الجانب المشع لحضارة هذا الوطن، فكان للصحافة والتعليم والمكتبات انحناء إجلال وإكبار لتاريخ هذه الشخصية المرموقة، كما يأتي ذكره الطيب على فم الأستاذ السيد عدنان السيد محمد العوامي الشاعر والكاتب والمؤرخ والإداري كلما هبت ريح البلدية في المجالس والدواوين.
فكنا في شوق لمعرفة سيرة هذه الشخصية الثقافية والعملية والاجتماعية بامتياز، حتى فاجأتنا أسرته الكريمة بالحاضر الغائب حسن صالح الجشي سعياً منها لتخليد ذكرى أحد أبناء هذا الوطن البارين، والتي أتمنى من الله أن تكون بذرة تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها.
فمن القلب شكراً لكل من شارك وأعد وراجع وبذل ليبث شعاع ضوء الأمل والتفاؤل لتجديد فكرة إحياء سيرة رجالات هذا الوطن المعطاء ممن كان لهم حضور فاعل على الساحات العلمية والعملية والثقافية والاجتماعية.
وكما يقال فليس هناك عمل كامل أو مشروع بلا أخطاء، فللقائمين والمشاركين في إعداد هذه السيرة المباركة أهدي بعض ملاحظاتي والتي أرجو من الله أن تؤخذ بعين الاعتبار في الطبعات القادمة فقد سبق السيف العذل.
لقد كان الكتاب أقرب لنتاج حفل تأبين يوم الأربعين أو الذكرى السنوية منه إلى سيرة ذاتية توثيقية؟
لقد غابت عن ساحة المشاركين أو المعدين أو حتى المراجعين والمصححين أسماء كان لها صلة قريبة كانت أو بعيدة بالمرحوم أو بالدائرة التي ترأسها «بلدية القطيف»؟؟
إحدى المقالات كانت عائلية بحتة لا تهم القارئ الشغوف للتعرف على هذه الشخصية في شيء؟
التكرار كان سمة هذا الكتاب فقد جاءت محطات حياة المرحوم حسن بألسن أو بأقلام كتاب متعددين وبأشكال وتعابير وأساليب مختلفة ولكننا كنا نخرج منها في كل مرة بنفس المعلومة!!!
بعض المقالات راح يسرد كتابها حياتهم الشخصية والعائلية والاجتماعية وقد أسهموا في السرد حتى ظننت بأن الحاضر الغائب قد غاب!!
ذكر الأستاذ عبد العزيز بن علي أبو السعود كلمة جميلة نقلاً عن المرحوم حسن عندما جاءه سليمان العليان يطلب منه مشاركته في التجارة بعد أن حققت الشركة النجاح الواضح فرد عليه المرحوم ”أنا لم أشاركك عندما لم أكن أتوقع النجاح، أما الآن وقد تحقق النجاح فلك من الله التوفيق“ هذه الجملة قد تغني عن ألف كلمة وكلمة ومقال، ويستطيع القارئ الكريم أن يشكل فكرة في مخيلته الصافية عن أدب وأخلاق ونبل هذه الشخصية الفذة.
الغريب في الأمر بأن الدكتور أحمد محمد المعتوق في مقالته ”تنويه“ اقترح على المعدين بأن يتم التركيز في الدراسة المقترحة على ما له قيمة فعلية من أعمال الرجل ومنجزاته ومعالم شخصيته، أي على ما تركه من آثار حقيقية ملموسة في تطوير حياة المجتمع أو جانب من هذه الحياة، مثل مشاركته في تطوير أنظمة البلدية التي تولى إدارتها، وتأسيس المكتبة العامة بالقطيف وتطوير نشاطات هذه المكتبة، كما أضاف باستبعاد الاستطرادات والتفاصيل التاريخية التي لا تخدم الغرض الأساس، أو تبعد الأضواء عنه، مثل التفصيل في الحديث عمن تولوا إدارة البلدية في القطيف وما عملوه أو أنجزوه أو غيروا فيه، وذكر المشاريع التي أنشئت في المنطقة ولم يكن للمرحوم دخل أو ارتباط بها، ولكن الغريب أن هاتين الملاحظتين قد غابت عن المشاركين والمعدين والمراجعين فقد حضرت مقالة الدكتور وغاب تطبيقها!
وقبل الختام أعتقد بل أجزم بأنه لو جمعت كل من مقالة الدكتورة نهاد محمد سعيد الجشي والمهندس علي عبد المحسن الجشي في بستان واحد لخرجت لنا سيرة معطرة بعبق الماضي وأرج الحاضر.
وفي الختام...
رحم الله الرجل الشهم النبيل أبي شوقي وجزى الله القائمين على هذا العمل خير الجزاء إنه سميع الدعاء.