آخر تحديث: 22 / 11 / 2024م - 1:35 ص

مهرجانات القطيف الأهلية: بين مقومات الاستدامة ومقدمات التلاشي

أمين محمد الصفار *

يقام في القطيف سنوياً عشرات المهرجانات والفعاليات في مختلف مدن وبلدات المحافظة وبمختلف الأحجام، بعضها يكون من قبل الأهالي وبالشراكة مع أحد الأجهزة الحكومية وبعضها يكون مقتصرة على الأهالي المتطوعين، بعضها يكون على مستوى المحافظة والبعض الآخر يكون ضمن نطاق محدود، أشهر هذه المهرجانات وأكبرها هما: مهرجان الدوخلة الذي لاقى صدى كبير على مستوى المملكة والخليج، والأخر هو مهرجان واحتنا فرحانة، للأسف كلاهما قد توقفاً لأسباب مختلفة.

قدمت هذه المهرجانات - التي كان للإعلام المحلي الدور الرئيس في التعريف بها - البسمة والفرح والأجواء الجميلة للبلدة والمدينة التي تقام فيها بل محافظة القطيف بكاملها واستقطبت المئات والآلاف من الزوار من نواحي المنطقة الشرقية من مواطنين ومقيمين، كما أحدثت هذه المهرجانات ما يمكن أن نسميه اقتصاد المهرجانات، حيث تستفيد عدة مؤسسات محلية إيرادات وأرباح مجزية نظير الأعمال التي تقوم بها لتجهيز هذه المهرجانات المؤقتة التي تبذل لأجلها مبالغ كبيرة وجهود سخية لأجل أيام محدودة جداً يتم بعدها هدمها ولا يمكنها أن تستمر للعام أو الموسم القادم، فهي تعمل بلا بنية تحتية تساعدها على توفير هذه الجهود السخية التي تبذل سنوياً.

في الذاكرة ما زالت تجربة مهرجان الجنادرية الذي بدأ من سباق للهجن في حي الملز إلى مهرجان للثقافة والتراث يصل صداه للعالم، ومن المقرات المؤقتة التي عادة ما تزال كل عام بعد نهاية المهرجان إلى قيام كل إمارات المناطق والأجهزة الحكومية التي تشارك في المهرجان ببناء مقرات دائمة لها في الأرض المخصصة للمهرجان، حيث كانت هذه الخطوة نقلة نوعية للمهرجان ساهمت في توفير الجهد والتكلفة، وزيادة كفاءة الأداء الذي انعكس على زيادة عدد الزوار للمهرجان.

المثال الآخر الذي يمكن الاستشهاد به هو سوق واقف في دولة قطر، الذي هو مجموعة من أسواق الحرف اليدوية والتراثية وأصبح من أهم المناطق السياحية في دولة قطر، فمجموع هذه الأسواق هي مهرجان سياحي وتراثي وعنوان دائم للحرفيين والاقتصاد الأسري الذي يتطور إلى مؤسسات وشركات تجارية تدعم الاقتصاد الوطني.

السوق الشعبي في النعيرية المقتصر على تأجير محاله على النساء السعوديات فقط، هو أيضا مثال حي أمامنا وإنجاز حقيقي يستحق تسليط الضوء عليه أكثر فهو أشبه بالمهرجان التراثي الدائم، فقد روعي اختيار أفضل المواقع وبساطة التصميم كي يساهم في دعم المستأجرين الذين يدفعون مبالغ رمزية جداً، وخلال فترة وجيزة تم بناء وتشغيل السوق وأصبح من أهم معالم النعيرية ورافداً اقتصادياً لتلك الأسر ومقصداً لأي زائر للمحافظة. وهنا أتذكر كلمة محافظ القطيف السابق الذي قال لنا في أحد الاجتماعات بما معناه ”بأنه وبالرغم من أنه يعطي الموافقات اللازمة لهذه المهرجانات لكني ما زلت أتطلع لرؤية مهرجان تنموي دائم يحقق قيمة اقتصادية مضافة“.

إن الموقع الطبيعي للحرفي هو السوق الخاصة به وليس المهرجان المؤقت التي يحضرها الحرفي كضيف مثله مثلما يحضرها الزائر على حد سواء، كما أن الموقع الطبيعي لكل الفعاليات التراثية والثقافية هو المقار الثابتة وليس المقار التي تبنى على عجل في الساحات العامة بشكل مؤقت وكأنها رحلة سرعان ما تنتهي لتبدأ مرحلة الانتظار لرحلة أخرى بنفس المواصفات والعيوب.

لقد كانت المبادرة الأهلية المعروفة ببرنامج مئة مليونيرة الذي يستهدف تمكين أصحاب المشاريع الصغيرة جدا من النساء، هي أحد النماذج التي أثبتت نجاحها على أرض الواقع والتي يمكن الاستفادة منها لتمكين الحرفين من خلال التدريب والمتابعة وتقديم الاستشارات اللازمة لنمو وتطوير مشاريعهم الصغيرة ليكون رواد أعمال وأصحاب مؤسسات تجارية، لا أن تبقى جامدة وتتكرر في كل مهرجان بنفس الشكل والحجم والمضمون حتى تتلاشى.

إن النظرة الواسعة والمنفتحة لمهرجانات القطيف المميزة وللجهود التطوعية السخية التي قل نظيرها على مستوى المملكة حيث يبذلها مجتمع كامل بكل فئاته العمرية نساء ورجال، هذه النظرة هي الجديرة التي يمكن التعويل عليها لتحقيق نقلة نوعية عبر إنشاء بنية تحتية ثابتة تشكل دعم استراتيجي لهذه المهرجانات قادر على تخلق قيمة مضافة ملموسة على المستوى الاجتماعي والاقتصادي للمحافظة وليس الاكتفاء بنمط ضوء الليف الحالي.