آخر تحديث: 26 / 4 / 2024م - 9:08 م

عن القرية التي تحاور الريح

أثير السادة *

الجش بلدة صغيرة على الطرف الجنوبي الغربي من محافظة القطيف، قريبة من الريف وبعيدة عن الساحل، أحلامها المنثورة في الأخبار لا تكاد تتجاوز الرغبة في مشاريع سفلتة وإنارة واستفادة من مساحات بلدية مهملة، كان يمكن أن تظل منسية كضيعة صغيرة بين أفياء النخيل، إلا أن قدرها دفعها إلى أن تكون مركزا لكثير من الخدمات التي تحتاجها كامل المحافظة، فهي لم تعد مجرد مزارع تقصدها العصافير لبناء أعشاشها، بل خارطة مفتوحة على مؤسسات ومنشآت رسمية ومشروعات خدمية يتقاسمها سكان القرى والمدن القريبة والبعيدة.

كل الطرق تؤدي إلى الجش، ففيها صالة الأمير نايف الرياضية، ومستشفى القطيف المركزي، ومشتل وزارة الزراعة، فضلا عن مكتب الأحوال المدنية، ومشروع الإسكان، وصالة الملك عبدالله، موقعها المطل على الطريق السريع جعلها الخيار الأول في تنفيذ مشاريع المحافظة، وجعل منها عاصمة افتراضية لمحافظة مازالت تطمع في المزيد من الخدمات والمشاريع التنموية…هذه الميزة إضافة إلى ميزاتها الأخرى كبلدة ريفية مكتظة بمشاريع الترويح السياحية وأعني بها المسطحات والمنتجعات الخضراء مؤكد بأنها تدفع سكانها للطمع في المزيد من الامتيازات.. امتيازات تتجاوز مجرد ازدواج الطريق الرئيسي الذي يوصل البلدة بعنك وبالتالي بالطريق الساحلي، لتصل إلى تخطيط حضري ومركز بلدي يليق بحجم قرية تتسع لتصبح بحجم مدينة.

هذه التوسعات والمشاريع المستمرة على أطراف الجش يفترض أن يرافقها تصنيف جديد للبلدة، ورؤية مستدامة تحافظ على الوجه الأخضر للمكان في الوقت الذي ترسم خارطة طريق للدخول في معالم المدينة الحديثة.. النظر للمكان كوحدات متناثرة من شأنه أن يحول البلدة إلى بيئة هجينة وبلا ملمح تنموي، لا نريد للجش أن تصبح مدينة ناطحات سحب، ولا صورة من صور المدن المكتظة بالسكان، بل مدينة لها نكهة الريف في اخضرارها وهوية القرية في علاقتها الاجتماعية، وسمات المدينة في بنيتها التحتية والخدمية، حتى نجد على الأرض ما يرشدنا إلى أهمية هذه الأرض في تاريخها وحاضرها.

احتشاد المشاريع والمؤسسات الخدمية على أطرافها سيجعل من البساتين الوجهة المحتملة لأي توسع عمراني قادم، والشواهد كثيرة على الأرض حيث بدأت مساحات واسعة في حزامها الجنوبي تتحول إلى شرائح زراعية وتسوق باعتبارها مساكن مستقبلية، ومن دون رؤية متكاملة لمستقبل البلدة، ستفقد ملامحها الرئيسة، وستخسر ذاكرة الماء والنخيل، وتصبح كسواها من المدن والقرى التي خسرت خصائصها الثقافية والعمرانية وتحولت إلى مبان صماء متراصة لا أكثر.

لا لتجريف هوية المكان، ينبغي أن يكون هذا الشعار حاضرا في كل خطة تنموية قادمة في هذه البلدة، التي اكتشفها بعين سائح خلال عبوري المتكرر من هناك، وأتلمس حضورها الكثيف كمواطن على مستوى المشاريع الخدمية، ولا لتحويلها إلى مجرد حديقة خلفية لمشاريع المحافظة، فأهل البلدة أولى بمواسم الحصاد، وبنيل حظهم من هذه الخدمات، وفي مقدمتها مرفق رياضي يخرجهم من حدود المزارع إلى صالات ومقرات عصرية تليق بناد يتغزل المراكز المتقدمة في الكثير من الألعاب الفردية والجماعية.