آخر تحديث: 25 / 11 / 2024م - 8:33 ص

الشيطان يعدكم الفقر

علي أحمد آل رضي

صفات ملهمة عديدة تنقصنا كأفراد ومجتمعات ممكن أن تساهم بدور فعّال في القضاء على الفقر وانتشال الفقراء من براثن الحاجة والذلّ المهين، ولعل القرآن المجيد جمع بعض هذه الصفات ضمن من يحبهم الله بين ثنايا سوره وآياته. لم نلمس في عالمنا الحاضر أن خطوات تنفيذية جادّة أفرزت ركائزها مساهمات تغلّبت على عناوين الفقر وأذياله ونقلت الناس إلى مستوى المساواة والكرامة في العيش والرخاء. عدم وضوح النتائج ولا تحقيق الأهداف السامية في سبيل خفض نسبة الفقراء في الأمصار هي من أفعال الذين يتحرّكون في أماكنهم بالمتاجرة ويوهمون بالعمل والمثابرة وكثرة المعاملات وحركة الناس في سبيل خلق ضجيج عال. ولربما يسعنا المكان هنا للإشارة إلى أن الشيطان ومساراته كلها تنسف ما لدينا من مال ووجاهة ويكون مآلنا في الدار الدائمة قطعاً إلى الفقر من العمل والثواب.

لا يبدو أن الفقير تعريفه محدّد ضمن معايير واضحة منها الفرص والقوة والأمن والروح المجتمعية والثقافة والطقس والصحة والتعليم والنقل والحقوق والواجبات حيث وضع هذه المعايير تحت ظلّ كرامة الإنسان قطعاً تساهم في نقله من العوز والحاجة إلى العزّ والكفاية. مسطرة قياس الفقر غير ثابتة عند الناس ولربما حتى عند استشاريي اللجان الخيرية فالطالب نظرته مختلفة عن زميل العمل كما الجار الغريب الذي لا تواصل معه في وقت لم تعد النظرات والانطباعات والمعايير اللاحسّية كافية للتقييم، ومما لا شكّ فيه أن سبل مكافحة الفقر عديدة ويستطيع كل فرد مهما قصر أو طال عمره من طرح أفكار ثمينة إلى اللجان الخيرية المتصدّية. تنوّع الدعم هو الطريق السليم الذي يساند في بناء المجتمع وخفض نسبة الفقراء والمحتاجين.

وفي ظلّ الهيمنة الاقتصادية العالمية غير مستغرب أن يصل عدد فقراء العالم الذين هم تحت خط المجاعة إلى ما يقارب مليار نسمة ويبدو أن الشريط الممتد ما بين المدارين والتي يشمل دول الهند ونيجيريا والكونغو وإثيوبيا وبنغلاديش ودول جنوب الصحراء بأفريقيا تحتضن النسبة العليا وتزداد حالاتهم سوءًا مع الوباءات والكوارث التي تستغل من الدول الغنية بشكل سلبي وفق برامجهم التي ظاهرها الرأفة والرحمة إن عزموا ولكنها تخفي معها الإهانة والشماتة والضغط والعذاب. قبل عدة سنوات ذكرت منظمة ”أوكسفام“ البريطانية، في تقرير لها، أن حجم ثروات 62 شخصا من أثرى أثرياء العالم يعادل ثروات نصف سكان الكرة الأرضية الأكثر فقرا. ونشرت صحيفة أخرى عن الهند دولة التناقضات، أن ثروة 16 شخصا تساوي ثروات 600 مليون شخص.

الفقر مستويات، وخلال العقدين الأخيرين نجحت المنظمات الخيرية الأوروبية والشرق آسيوية في خفض نسبة الفقراء في مناطقهم ومن جهة أخرى ارتفعت نسبة الفقراء في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ودول جنوب الصحراء الأفريقية. كما صدر قانون فرنسي للتبرع بالمواد الغذائية غير المباعة قبل انتهاء صلاحيتها. ولا جدال أن ظروف المكان وما يحويه من موارد طبيعية تلعب دوراً رئيساً في تحديد مستوى المعيشة كما تعدّد مصادر الرزق تساهم في الحدّ من المجاعة ورفع دخل الفرد ولا يزال أكثر من ملياري نسمة من فقراء العالم يعيشون تحت خط الفقر ولا يتجاوز دخلهم اليومي دولارين.

في فترة خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب استطاع بسط العدالة الإنسانية في المجتمعات وقضى وقتها على الفقر وفق منهج التمكين والفرص الاستثمارية المفتوحة التي ساهمت في تعزيز الاقتصاد وتحوّل المجتمع من الفقر إلى الكفاف والغنى مع نشر ثقافة الضمان الاجتماعي حيث المجتمع كله بمثابة جسداً واحداً. لقد كان موقع الإمام علي من رسول الأمة ﷺ وباب علمه ساهم بشكل كبير على ترجمة وصايا الرسول ﷺ على أرض الواقع مما جعل عهده محلّ إشادة من الشرفاء في العالم قاطبة. لذا علينا مسؤولية دائمة نحو الفقراء اقتداء بإمامنا وهذه من الحقائق التي لا يمكن تجاهلها أن منطقتنا منبع لعمل الخير ورائدة في العمل الإنساني الخيري وما المبادرات السنويّة المتجدّدة والمساندة الواسعة إلاّ دليلاً قوياً على استمرارية النهج والروح الأخوية السامية.

وحيث إننا في شهر الخير حريّ بنا أن نشيد بجهود الجمعيات الخيرية وكوادرها ومساهمات المحسنين وما تبذل من مساعِ كبيرة تشكر عليه في سبيل توفير مؤونة رمضان إلى الفقراء والمحتاجين ونلحظ أن أعداد الأسر المدعومة غالباً لا تتناقص بل تبقى في ذات الحدود وتزيد عاماً بعد عام حيث يبلغ إجمالي عدد الأسر المستفيدة في المحافظة تقريباً 15 ألف أسرة. ثمّة تساؤل لا بد من طرحه عن المدى الزمني الذي يمكن خلاله خفض عدد الأسر الفقيرة والمحتاجة وفق برامج تأهيلية وتطويرية تساعد الأسر على توفير مصادر الرزق تنطلق منها إلى الحياة الذاتية الكريمة. هكذا مبادرات تحتاج إلى دعم الغرف التجارية ورجال الأعمال الذين ممكن أن يساندوا في عملية توظيف بعض أفراد هذه الأسر المحتاجة.

هل تتكاتف الجهود ونلمس انخفاضا في أعداد الفقراء في الأعوام القادمة؟ ليس بعيد.