آخر تحديث: 3 / 12 / 2024م - 7:35 م

محمد رضا نصر الله.. في مديح مثقف كبير

أحمد المسلماني * مجلة الجزيرة الثقافية

كان من حظّي أنّي تعرفت على المثقف السعودي البارز الأستاذ محمد رضا نصر الله، ولقد تمنيت لو أنّني تشرفت بلقائه قبل ذلك بسنوات.

قال أحدهم بينما نحتسي القهوة العربية وقوفًا في بهو الفندق الفاخر بالرياض: هل تعرف الأستاذ محمد رضا نصر الله.. يجب أن تتواصل معه، إنه واسع الاطلاع، ثم إنه يعرف الخريطة الثقافية المصرية بأكثر مما يعرفها المصريون أنفسهم.

تواصلت مع الكاتب والإعلامي والسياسي الأستاذ نصر الله عبر السنوات الفائتة، ولقد ذهلت بحجم مشروعه الصحفي الثقافي، وبوزن القامات التي التقاها في العالم العربي وخارجه. إنه شاهد على العصر الثقافي العربي، في نصف قرنٍ بالغ الثراء.

إنه ليس فقط ذلك المحاور المهذب والعميق الذي نجح في الوصول إلى العمل عند سقف الفكر العربي والعالمي.. من نجيب محفوظ إلى صمويل هنتنجتون، ومن توفيق الحكيم إلى جاك بيرك. بل هو أيضًا كاتب المقال المتميز الذي يعرض في كل مرةٍ معلومات جديدة، ورؤى جاذبة وعاقلة.

إن الأستاذ محمد رضا نصر الله شديد الوفاء لمن التقى، ولطالما سعى إلى إحيائهم مقالاً وراء الآخر، وتذكِرةً وراء الأخرى. ولكنه إذْ يفعل ذلك، فهو لا يعطى شيكًا على بياض، أو أنه يوقع بصحة كل شيء. بل هو يوجِّه النقد حين يجب النقد، فهو المعجب بالأستاذ أحمد بهاء الدين ولكنه الذي لا يفوّت ملاحظاته على بعض مواقفه إزاء الرئيس السادات. وهو المعجب بالأستاذ توفيق الحكيم، ولكنه من لا يترك واقعة تعاليه في رسالةٍ خشنة إلى الدكتور طه حسين، فينتقد استعلاءه وتجاوزه. ثم إنه معجب بالفيلسوف عبد الرحمن بدوي، ولكنه ينتقد كِبرْه وخيلائه، مقارنة بالمفكر العربي عبد الله العروي، ومقارنته بقمم أخرى شامخة ومتواضعة في ساحة الفكر العربي.

يتجلى ذلك الاعتدال الفكري عند الأستاذ نصر الله في انتقاده للتطرف الديني وكذلك انتقاده للحداثة المتطرفة. ولقد أُعجبت بمقالته عن «مؤتمر المثقفين العرب» في بيروت والذي حضره الدكتور نصر حامد أبوزيد والدكتور جورج طرابيشي والمفكر الفرنسي الجزائري الشهير محمد أركون. وكان مثار إعجابي هو توازنه الفكري، ودعمه لدعوى الوفاق بين الإسلام والحداثة، والحوار بين المثقف والفقيه.

الأستاذ محمد رضا نصر الله هو «كاتب متجول» مثل «سفير غير مقيم».. يشير هنا إلى كتاب «اليابان بعيون عربية»، ويشير هناك إلى «قصة الحضارة»، ويشير بعد هناك إلى فريد هاليداي، وفي كل إطلالة شرقًا أو غربًا.. يكتب بأسلوب سلس ممتع خالٍ من تعقيدات أدعياء النقد الأدبي، ومثقفي المصطلحات الجافة، والعبارات اليابسة.

بالنسبة لي ككاتب مصري، فأنا شديد الانبهار بحجم ومستوى لقاءاته في القاهرة: توفيق الحكيم ونجيب محفوظ ويوسف إدريس وزكي نجيب محمود وأمل دنقل وأحمد عبد المعطي حجازي وبنت الشاطئ.. فضلاً عن عبد الحليم حافظ.

وبالنسبة لي ككاتب عربي، فإنني مبهور كذلك بلقاءاته الثرية مع محمد عابد الجابري وعبد الله العروي وسميح القاسم ونازك الملائكة، والجواهري والبياتي والماغوط.

إذا ما طلب منّي أحدهم أن أستعرض له ركائز القوة الناعمة المصرية في خمسين عامًا، فلن أجد أفضل من ألبوم الصور الذي يمتلكه الأستاذ محمد رضا نصر الله. فذلك الألبوم هو سفينة الحاويات الفكرية الضخمة، التي جمعت ما لم يجتمع عند الأغلبية الساحقة من مثقفي عصرنا.

إن المشروع الرائع للمثقف السعودي الكبير الأستاذ محمد رضا نصر الله يستحق الاحترام والتقدير. إننا نتمنى له موفور الصحة، كما نأمل منه جمع تلك الأعمال مترامية الأطراف في مجلدٍ واحد، يضم المقالات والحوارات، ليكون بمقدور مؤرخي الثقافة الاطلاع على ذلك الجهد الكبير والرصين.

تحية للصديق العزيز الأستاذ محمد رضا نصر الله، وبلسان الآلاف ممن يقدِّرون مشروعه الرائع نقولُ له بكل صدقٍ وامتنان: شكرًا.. ألف شكر.