لمن يشكو من طول الخواطر والمقالات!
ألتَقي بعض الأصدقاء، الكرام، ويسمعوني شيئًا من آرائهم الجميلة على الخواطر التي أكتبها، ثم يصمتون قليلًا، وبعد الصمت تأتي جملة: إلا أنَّها طويلة! بحقّ الله عليكم، هل يستطيع كاتب مهما أوتي من قدرة أن يكتبَ خاطرةً - أو مقالة - من عشر كلمات؟ أحكي لكم حكايةً لكي نتشاطر الرَّأي ونرى أنه لا يستطيع:
كان هناك في زمانٍ مضى مُكاري عنده حمار يحمل عليه الماءَ للنَّاس، ويعيش من فضل ما يعلفه على الحمار. جاءَه أحد أصدقائه يومًا وسأله: كم تكسب في يومك، فأجاب المُكاري: أكسب خمسينَ درهمًا، لي منها ثلاثين درهمًا والباقي لعلف الحمار! فقال له صاحبه: لماذا لا تعطي الحمار خمسة عشر درهمًا وتأخذ أنت خمسة وثلاثين درهمًا؟ أنتَ تتعب نفسك وتحصل على القليل! استحسن المُكاري المشورة وبعد مدَّة عاد صاحبه وسأله عن أحوالِ الحمار فأجاب المُكاري: بانَ عليه الهزال قليلًا، لكن الحمد لله، صارت عندي دراهم أكثر! بعد أيَّام عاد وقال له: أعطِ حماركَ أقلّ وتكسب أكثر، وهكذا فعل المُكاري. ثمَّ بعد شهر تقريبًا عاد وسأل عن الحمار فقال المُكاري: ليتني لم أسمع مشورتك، فقد مات الحمار!
مهما كانت الفكرة مختصرة، فهي تحتاج إلى رتوش ولمسات أخيرة تُطَرِّيها، فهل رأيتم شابَّة جميلة لا تستعمل أدوات تبرج وحليّ تزينها وتظهر محاسنها؟ تموت الأفكار عندما تُقص أجنحتها فلا تنهض بحمل غرضها! أصبحنا في زمنٍ نقرأ على عجل، نقود السيَّارة، نحب ونبغض ونبيع ونشتري على عجل، كل شيء تقريبًا نفعله على عجلةٍ من أمرنا!!
شبَّان وشابات اليوم يقرأون أيضًا، وهم بحاجة إلى من يكتب لهم! لكنهم يضجرون من الكتابة التي لا تمتعهم ولا تطور قدراتهم أو تخاطب عواطفهم ومشاعرهم، أو لا تنفعهم في التخطيط لمستقبلهم. وعلى هذه الخواطر والمقالات - القصيرة - أن ترضي أذواق أكبر قدر من الشِيب والشباب، فمن ذلك السَّاحر الذي يستطيع أن يجمع هذه الرَّغبات في عشرِ كلمات؟!