في رمضان فطرني وأفطرك دون تعب العيال!
ألا ترونَ أننا حرمنا أنفسنا من أجر تفطير صائم إلا ما ندر؟!
قنينة ماء يشربها صائم من المسجد بعد الصلاة، فردات من تمرٍ يأكلها! وأين نحن من الأطباق الشهيَّة - البسيطة - التي كانت من أجمل عاداتِ الجيران في مناطقنا؟ كل ذلك إفطار دون مشقَّة. ”تهادوا تحابوا، تهادوا فإنها تذهب بالضغائن“، فهل من هدية أفضل من طبق طعام الجيران في شهرِ رمضان، هم يؤجرون وأنا كذلك؟!
حقًّا، كان في الماضي بعض أشياء جميلة ولا تزال! قبيل غروب الشمس بدقائق يتدفق الصبية والصبيَّات من البيوت حاملين أطباقًا من الطعامِ إلى جيرانهم، وهل تظنون أنهم يعودون بأوانٍ فارغة؟ كلَّا، بل كلهم يعودون بشيءٍ من طعامِ الجيران! في بعض الأحيان تصنع المرأةُ نوعًا واحدًا من الطعام، لا غير، وتعطي منه الجيران، ويعود لها عشرةُ أطباق متنوعة! ما أكرمكَ من ربّ وما أكرمكَ من شهر وما أكرمهم من جيران!
”من فطَّر صائمًا فله مثل أجره“، بعض محطات الضيافة الرمضانيَّة يمكن ترتيبها على عجل وبسهولة، طعام جاهز وضيف يقدر الوقت وصعوبة الضيافة ”شرّ الإخوانِ من تكلف له“. وإلا في العادة تجري حالة استنفار في المنزل من أجل ضيافة شخصٍ واحد! كلنا يطمح أن يكون فيه من جيناتِ كرم حاتم طي!
لذلك فإذا دعوت ضيفًا قبل أذان المغرب بنصف ساعة أو أخذته معك من المسجد بعد الصلاة، فذلك فيه إرباك لأهلك! زمن البساطة ولى وأدبر، ولم تعد الولائم من الثريد والماء القراح! في البيت، الله ساترها، يأكل الناس ما تيسر، أما إذا حضر ضيفٌ - وإن كان من العائلة - ترانا نعد له عشرينَ طبقًا من الطعام، راجين أن يلتهم كل تلك الأطباق في نصفِ ساعة!
أغلب الزوجات يعملن بدوامٍ كامل، وبالكاد يجدن الوقتَ الكافي لإعداد إفطارٍ لعائلةٍ صغيرة، فكيف يمكنهن تحضير عدة أطباق من أكلٍ وشرب في ربع الساعة الأخيرة من النهار؟! عن رسول الله «صلى الله عليهِ وآله»: ”الضيف ينزل برزقه، ويرتحل بذنوب أهل البيت“، فلا نجعل من الولائم أمرًا عظيمًا لا نستطيع حمله. الضيف يقنع بما يقدمه المضيف، وصاحب الدار لا يكون في كرم حاتم على حساب راحة أهله!
دعا رجلٌ أمير المؤمنين فقال له: قد أجبتك على أن تضمنَ لي ثلاث خصال، قال: وما هي يا أمير المؤمنين؟ قال: لا تدخل علي شيئًا من خارج، ولا تدخر عني شيئًا في البيت، ولا تجحف بالعيال، قال: ذاك لك يا أمير المؤمنين، فأجابه علي بن أبي طالب .
في شهر رمضان، طعم الأجر والثواب يدوم أطول مما تدوم حلاوة أغلى أصناف الأكل والشرب، فعلامَ ترانا زهدنا في الأجر واخترنا أن نشقّ على أنفسنا؟!