آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 8:37 م

صناعة رأس المال البشري

الدكتور مصطفى المزعل * صحيفة مال الإلكترونية

إن أهم عناصر أي منظومة لريادة الأعمال هما“رأس المال البشري”و”السوق”، بل هما المُرتكزان الرئيسيان اللذان بدونهما لا وجود لريادة الأعمال، فهل يُعقل الحديث عن تطوير رياضة كرة القدم مثلا دون وجود ملاعب ولاعبين!؟ السوق هو الملعب، والرُّواد هم اللاعبين، أما المال، والثقافة والدعم، والسياسات، فهي عناصر محيطة بعصب المنظومة.

يأتي هذا المقال ضمن سلسلة مقالات تُلخّص بحثي للدكتوراه حول قياس أداء منظومات ريادة الأعمال بخمسة عناصر رئيسية، وتشير النتائج بأن ترتيب هذه العناصر الخمسة من الأكثر للأقل أهمية هي كالتالي: «السوق ٪ 26,2، رأس المال البشري % 25,2، التمويل المالي % 17,9، الثقافة والدعم ٪ 16,2، السياسات %14,4».

المقصود برأس المال البشري هو قدرة الأفراد في أن يكونوا رواد أعمال، ويُقاس ذلك عبر أربعة عوامل فرعية هي: توفر التدريب، والمهارات الشخصية، والخبرة العملية، والتأهيل الأكاديمي، كل ذلك يصب في صناعة رأس مال بشري، قادر، ومتمكن من شق طريقه، وتجاوز تحديات السوق المالية، والقانونية، وغيرها، فمتى ما توفرت الكفاءة، تذلّلت بقية المصاعب.

توفير برامج التدريب والإرشاد الريادية ضرورة مُلِحَّة، فكثير من الشباب يملك المقومات الأساسية والصفات المؤهلة لأن يكونوا روّاد أعمال، لكن بعض المهارات تحتاج لصقل، وبعض مراحل العمل بحاجة لرأي وحكمة خبير، كما أن هناك العديد من الشباب الذين لا يملكون المهارات الأساسية، لكن قابلية التعلم موجودة لديهم، فالتدريب، يُصنّف كأهم عوامل رأس المال البشري.

المهارات الشخصية تأتي ثانيا بنسبة تكاد تساوي عامل التدريب، والمقصود بهذه المهارات، هي مجموعة المهارات القيادية والريادية التي تُمكّن الأفراد من أن يصبحوا رواد أعمال ناجحين، وتتنوع مصادر هذه المهارات، فقد تكون بعضها وراثية، كحِس المسؤولية والقيادة، وقد تُزرع منذ الطفولة، في طفل اعتاد على النهوض سريعا بعد كل سقوط، وفي طفل خسر تحدٍّ في لعبة مع أصدقائه ليعاود الكَرّة ويفوز في تحدٍّ آخر، هذا الطفل نشأ ليشتد عوده، ويصبح شابا ذو سمات تمكنه من المقاومة والنهوض بعد كل فشل، والرغبة الجامحة في تحقيق النجاح في مجاله، البعض الآخر من هذه المهارات يكتسبه الفرد خلال حياته العامة، ورحلته التعليمية داخل الفصول الدراسية، أو عبر مساحات الأنشطة الطلابية.

الخبرة العملية تأتي كثالث العوامل، وذلك عبر تراكم سنوات من العمل في قطاع معين، وخوض تجارب عديدة قد تكون إدارية تصقل الجانب الإداري، وقد تكون فنية في مجال محدد، والاثنان ضروريان، الأفراد ذوو الخبرة لديهم أفضلية فهم السوق بشكل أسرع، ونضج على المستوى الشخصي، وعلاقات واسعة في مجالهم، امتلاك الخبرة في القطاع قبل تأسيس شركة ناشئة فيه، يرفع من حظوظ هذه الشركة في النجاح، وتبقى ضرورة هذا العامل كغيره من العوامل نسبية، فكلها قواعد عامة لها بعض الاستثناءات بطبيعة الحال.

المؤهل الأكاديمي يُصنّف كرابع العوامل، وأقلها أهمية ضمن رأس المال البشري، وهو يشير إلى أعلى مؤهل أكاديمي يحمله رائد الأعمال عند بدء مشروعه، هذا المؤهل، إذا خصصناه بالمؤهل الجامعي، فهو يُزوّد الفرد ببعض المهارات الشخصية التي أشرت لها سابقا، ويشكل نمط وعقلية الفرد في التعامل مع الحياة بشكل عام، كما أنه قد يُسلِّح الفرد بأدوات علمية، ودراسات، تُسهّل عليه فهم السوق واقتناص الفرص، وليس بالضرورة هنا أن يكون التعليم الجامعي في كلية إدارة الأعمال، فالتعليم بأي تخصص كان، يفتح آفاقاً واسعة ويضعنا في مسار الرغبة للتعلم، هذا التعلم الذي لا ينتهي بالتخرج الجامعي، بل يستمر حينها بطريقة مختلفة، أداء رواد الأعمال له ارتباط بخلفياتهم الأكاديمية، فرُوّاد الأعمال أصحاب الشهادات العليا لهم فرصة كبيرة في النجاح.

دكتوراه الإدارة الهندسية التكنولوجية