آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 7:09 م

«وتحسب أنك جرم صغير»

ياسين آل خليل

لا تعتقد ولو لوهلة بأن وجودك في هذه الحياة هامشي وأنه لا يحمل من الأهمية قدرًا كافيًا لإحداث تأثير أو خلق قيمةٍ يُعْتَدُ بها..! من المؤكد أنه ليس بمقدورك تغيير العالم بأسره، لكن وجودك في حد ذاته سببًا وجيهًا وكافيًا لإحداث تغيير في ذاتك، إن لم يكن في تغيير الكثير من حياة الناس من حولك.

كونك كائنٌ بشريٌ حَيٌّ تُرزق، صَغُرَت تعاملاتك أو كَبُرت، فإن وجودك هذا يوّلد طاقة كونية لها ما لها من تأثير، لا بد وأن تَجد طريقها في يوم ما لإحداث تغيير في هذا الكون الواسع. «وتحسب أنك جرمٌ صغير.. وفيك انطوى العالمُ الأكبرُ» إمام المتقين علي بن أبي طالب.

معظمنا نشأنا على مُعتقد أننا بحاجة لإنجاز الكثير من أحلامنا وأهدافنا في وقت وزمن معلومين ومحددين، وما أن تُشرف تلك الحُقبة الزمنية من أعمارنا على الانتهاء، حتى يراودنا شعورٌ بأنه قد فات الأوان وأنه لم يعد بإمكاننا تحقيق شيءٍ من تلك الآمال والتطلعات.

هذا في واقع الحال تصورٌ قاصر من شأنه أن يدفع المرء إلى إعادة النظر في الكثير من الأمور ووضعها في نصابها الطبيعي. أثبتت التجارب الحياتية بأنه لا يوجد هناك من أسلوب صحيح واحد لعيش الحياة، وأنه ما زال هناك متّسَعٌ من الوقت لتحقيق أحلامنا أو جُزءًا منها فيما تبقى لنا من عُمْر.

نحن نعيش في عالم يطغى عليه دوام التقلّب والتبدّل ولهذا فهو لا يحتمل التسويف والسكون ولا التململ واللامبالاة. بدلًا من أن تُحَدّق نظرك في اتجاه واحد وتشغل تفكيرك وتندب حظك لأنك لم تصل إلى ما وصل إليه أقرانك، ضاعف جهدك العَمَلي والعقلي وابقى على اطلاع دائم مع الكثير من التحكم في حالاتك المزاجية، فلربما تكون ذلك الشخص الذي يحمل الكثير من مواصفات الرجل الناجح، وما عليك إلا أن توظف تلك الإمكانيات لترتقي بنفسك وأُسْرَتك إلى ما تصبو إليه.

من المؤكد أن السعي في هكذا مضمار يتطلب الكثير من الشجاعة. الحقيقة التي لا تخفى على أحد، هي أن الطُرُق جميعها لا تخلو من المخاطر، لكن أن تسلك الطريق وفي مُخيلتك الوصول إلى هدف، لهو خير من أن تعزف عن السَير بالمُطلق.

من المؤلم والمؤسف في آن واحد، أن يُكرّس البعض الكثير من الوقت في تبجيل الآخرين وتمجيدهم، في الوقت الذي لا يتوانى فيه هؤلاء من جَلْد أنفسهم صُبح مساء لعدم تمكنهم من مُجاراة الآخرين وكأنهم خُلقوا بمواصفات هيَ الأقلّ.

هؤلاء الناس الذين يُنْظَرْ إليهم على أنهم موهوبين، هم في الغالب أُنَاسٌ عاديين جدًا وقد ينجحون في جانب حياتي مّحَدّد ويخفقون في جوانب أخرى كثيرة. وقد لا أبالغ في القول، أن هناك الكثير ممن لم تساعدهم ظروفهم لأن يتقلدوا مناصب وظيفية، يفوقون أقرانهم ”الناجحين“ في جوانب حياتية عديدة لا يسعني المجال أن أتطرق إليها في هذه العجالة.

بيت القصيد والعبرة من هذا كله، هو كيف توظف تلك الطاقة الوجودية إيجابًا لتعمل في صالحك، بدلًا من النظر إلى الحياة على أنها ضَرْبٌ من الحظ ليس إلا، وأن ليس لك منها من نصيب وإن عملت واجتهدت..! حقيقة حياتية عليك أن لا تغفل عنها، اجترار أحداث الماضي وإدمانك على مقارنة نفسك بالآخرين، ما هو إلا إهدارٌ لِطاقتك ووقتك. فهل أنت من ﴿آلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ آلْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ..؟

ما تملكه الحياة من مغريات، هي في المُجمل مؤقتة البريق قصيرة المتعة ولا بد أن يأتي عليها زمن تبهت وتسقط من عينك وكأنها لم تكن شغلك الشاغل. عندها تدرك أن جَرْيَك وراء تلك المشاغل لم يكن ذا قيمة أو أهمية وأنه بات عليك أن تسعى مُجَددًا لتحقيق عمل آخر يترك أثرًا طيبًا يذكرك به الناس بعد أن تنتقل من هذا العالم إلى عالم الملكوت. تأكد من أن تبنى لنفسك عملًا خالدًا وذكرًا حسنا تحقق به سعادة أزلية تُنسيك نَكَدَ الدنيا ومتاعبها.