آخر تحديث: 3 / 5 / 2024م - 3:50 م

الشهوات والشبهات والعلاقة بينهما

ناجي وهب الفرج *

كثيرًا ما نسمعُ هَذِهِ العبارة تتكررُ على ألسن الآباءِ والأجدادِ عبارة ”النَّظرة الأولى لَكَ والثانيةُ عليكَ“، ويقصدونَ مِنْ النَّظرة الأولى هي النَّظرة الْخاطفة السَّريعة للْمرأة الأجنبية وليسَ المقصود بها التَّركيز والْفحص والتَّمعن وكشف التَّفاصيل، ومِنْ هُنَا وردَ في بعضِ النَّصوص عَنْ أبي عبد الله الصادق «عليهِ السلام» أنهُ قالَ «النَّظرةُ بعدَ النَّظرةِ تزرعُ في القَلْبِ الشَّهوةَ وكفى بها لصاحبها فتنة»، فمن الواضح أنَّ القولَ المذكور ليسَ في مقامِ تحديد النَّظرِ السَّائغ على أساسِ العددِ بحيث يعني تجويز النَّظرة الأولى وإن كانت هادفةً وغير بريئةٍ في أولِ حدوثها، أو انقلبتْ إلى ذلك في حالة بقائها واستمرارها، لأن النَّاظرَ لا تطاوعهُ نفسهُ مِنْ غَمْضِ النَّظرِ عَنْ المْنظورِ إليها، وتحريم النَّظرة الثَّانية وإنْ كَانَتْ للحظةٍ واحدةٍ بلا تلذذ أصلاً.

ويمكن تحديد ماهية الشَّهوة بأنها القوة النَّفسية التي تؤدي إلى رغبةٍ شديدةٍ لشيءٍ ما أو ظرفٍ يُرضي الشعورَ، بينما يكون الشخص يمتلكَ بالفعلِ شيئًا هامًا آخر أو كميةً مِنْ شيءٍ مطلوب.

للشهوة أشكالٌ متنوعةٌ مثل الرغبة الجنسية، والحب، والمال، والقوة. وقد تأتي بأشكالٍ عاديةٍ مثل شهوة الطعام وهي مختلفة عن الحاجة إلى الطعام.

وكم من شهوة جذبت صاحبها لمعصية أعقبه بعد ذلك ندم وضياع وحسرة وعقاب؛ فهي متعة مؤقتة وزائلة بمجرد أن تنتهي ويفرغ منها.

بعضُ الشهواتِ مباحةٌ ولا تدخلُ صاحبها في دائرةِ الْعقاب والْمحاسبةِ مِنْ قبلِ الله جلَّ وعلا، لَكِنْ وردَ في كثيرٍ مِنْ المروياتِ عَنْ أهلِ الْبيتِ ”“ عدم الخضوع والركون إليها والزيادة عن مقدار ما يحتاجه الشخص كالمبالغة في الطعام واللبس والتكالب على ما في هذه الحياة الدنيا بشكل عام. فقد وردَ عن الإمام علي : ”مَنْ لَمْ يملكَ شهوتهُ لَمْ يملكَ عقلهُ“.

وهنالكَ مِنْ الشَّهواتِ ما تَدْخُلُ فاعلها فِي إطارِ المْعصية والذَّنب كالنَّظرةِ المُّحرمةِ وهذهِ لا تكونُ فيها نظرةٌ خاطفةٌ أو ثانيةٌ أو غيرها.

لقد قدَّمَ الشَّارعُ الْمقدسُ العديدَ مِنْ التدابيرَ الوقائيةَ للحدِ مِنْ الانغماسِ في الشهواتِ تتمثل في الْعفة وتقوى الله في السَّرِ والْعلنِ وغضِّ البصرِ ومجاهدةِ النفسِ والتَّفكرِ في ضررِ إتباع الشَّهواتِ في الدنيا والآخرة والاستعانة بالصبرِ والصَّلاةِ والإكثار مِنْ التَّوبةِ والاستغفار والتَّضرعِ إلى اللهِ سبحانهُ بالدعاءِ.

وهنا نأتي لتحديد ماهية الشَّبهة لمدى ارتباطها بالشهوات.

فمن الجانب اللغوي الشبهات جمع شبهة، وتدلّ على الأمور المشتبهة، وسُميّت شبهة لأنّها غامضة وغير واضحة الحال وحكمها خفيٌّ على التعيين وعند البحث عن مادة شبهة في المعاجم العربية يجد الباحث أنّها تُطلق على معانٍ عدّة متقاربة وهي المماثلة والمشابهة، كما أنّها تدلّ على الالتباس وحصول الإشكال والاختلاط، فالإنسان عندما يشتبه عليه أمر ما فإنّه لا يُدرك حكمه وماهيته بدقّة ومن هذه الشبهات الفتن التي قد تُصيب الإنسان ولا يعلم حقيقتها إلّا بعد زوالها.

أما مفهوم الشبهات في الاصطلاح فهي أمور التبس حكمها فلا يُعرف هل هي حرامٌ أم حلال، وهذا النوع من القضايا يُرجع فيه إلى أهل العلم والاختصاص.

للشبهات أسباب ومراتب وأحكام، فأمّا أسبابها فمنها ما يعود إلى الدليل الدال على الحلّ أو الحرمة ومنها ما يكون سببه وجود أكثر من دليل وحجة ووقوع التعارض ما بينهم، وقد اختلف العلماء في حكم الشبهات فمنهم من قال بحرمة القيام بالأمور المصنفة في دائرة الشبهة، ومنهم من قال بالجواز وقال آخرون بالتوقّف أي بعدم إعطاء حكم مخصّص للقضايا المشتبهة، ولكنّ الأصل في المؤمن أن يبتعد عن الشبهات ويستبرأ لدين.

عن الصادق قال: «من دخل موضعا من مواضع التهمة فاتهم فلا يلومن إلا نفسه»

وقال أميرِ المؤمنينَ عليهِ السلام: «من وضع نفسه مواضع التهمة فلا يلومن من أساء به الظن».

وقال : «من دخل مداخل السوء اتهم».

نائب رئيس مجلس إدارة جمعية العوامية الخيرية للخدمات الاجتماعية