آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 10:22 م

مَوطئ قَدم أم مُنزلق رِجل

عبد الله أمان

لا شك أَنَّ قدمي الإِنسان تُمثلان، بتَناسق وتَوافق، وإِهداءٍ رباني مُتماسِك، عَصب المَسعَى التكسبي؛ وتُوطدان، بكفاءة واقتدار، أَساس المنحَى المَعاشي المُتواكِب؛ وتؤسِّسَان، باطمئنان واصطِبار، مُنطلق الكدِّ، وبِداية سَير المُثابرة المُتناغِمتين؛ فبدونِهما لا يُمكن لمَقام الإِنسان المتُحضر - على مَر العُصور، ومُختلف الدُّهُور - الاستمرار بقدح حَراك نُعومة مِيكانِيكية المَشي المُستمر؛ واطراد دَيمومة أَهلية السعي المثابر، المؤمولين المتئدين؛ لإِحراز، ونَيل خُطوات وَاسعة، مِن فائق التقدم الوَاثق المُترافق، في أَطراف، ومَناكِب الأرض الذلُول؛ لِتحقيق مَراسي عَامِرة؛ وجَلب مَكاسِب وَافِرة، مِن مَنبع ومَنبِت الرزق الحلالّ؛ وجَني، فَائق ورَائق، سلة الأهداف المصيرية الواضحة؛ وسَبر، أَسمى وأَنمى، لُباب فَيض التطلعات الاستشرافية المَنشودة… ولعل مَحَط مَواطئ الأَقدام الثابتة الراسخة، تشير، بموضِع مَرأى آثار بَصماتها الواضحة، إِلى هَالة كَبسولة حُبلى مِن طَيف زاخِر مُلون مِن دَلالات واسِعة مُعاشة ومَحسوسَة، تَصطَف مُنتصبةً، في مَوضِع جَادة المَحَط؛ وتَتمركَز مَرئيةً، في مَكان مقام التمَوضِع؛ وتَتطاول مَعروفةً بمَعانٍ مَجازية مُتنوعة شتى، أَبرزها: الظفر بعُمق مِساحة مَكانية؛ والإِرتقاء فوق مَرسَى مُتاح مُكتسح مِن أَرض الله الواسعة… ولعل المَعنى الهامِشي القريب - يرِد طَوعًا؛ ويتَهادى هُوينًا، إِلى مِنبر حَاضر مَجلس الاستدعاء اليقظ - وهناك، يقفز إلى ناصية الذهن اليقظ، سَعي دَولة عُظمى، في رَغبة التسلَّط، وبُغية الهيمَنة، ببسط كامل نُفوذِها الواسع، باجتياح طامع، لسِيادة دولة ضعيفة صُغرى؛ وفَرض سُلطتها عليها؛ وضمها تحت طائلة انتداب إِدارتها السياسية؛ وإِلحاقها بأَنظمتها السيادِية عُنوة؛ لتَعيث في واسع أَرضِها البِكر المِهاد فسادًا شَاملًا، وإتلافًا مَلحوظًا؛ ونَهبًا وَاضحًا؛ لجُل خَيراتها؛ وسَلبًا مُتغطرسًا لباطن وظاهر مُقدراتها، وسَرقةً مُخططة؛ لوافِر وعامِر مَوارِدها؛ وتَوغُّلًا بالنخر البائن، في عُمق مَنابع سائر وساتر مُكتسباتها الحيوية المخبوءة؛ واستنزافًا لمُرتكزات مَفاصلها الاقتصادية، كمًا وكيفًا، كما تَنخَر بشدة ضَراوة؛ وتَفتك بأَقسى شَراسة، سُوسَة النخر، المُتسلِّطة المُتطفِّلة، في لُباب زَهو نَضارَة، وحُسن بَهاء إِشراقة صَباحَة ”عَمتنا“ النخلة الباسِقة الوادِعة، في تام نَعيم مُستقرها الهادئ، وسَابغ لفيف بُستانها المُخضل النضِر!… أما مَهبِط المُنزَلَق السحيق؛ ومَسقَط الهُوَّة العميقة، في الضفة الأُخرى المُقابلة، فيمثلان مَعًا هَجمة هَوجاء حَمقاء: حُدوث أَرذل زلَّةٍ؛ وحُصول رَديء عَثرةٍ، قد تُودِيان بحياة الفرد أَو الجماعة إلى مَهالِك، أو مَصاعِب، أو مَتاعِب جَمَّة؛ وقد تَحبطان وتَجهضان جُل مَساعِيهم المُتخبِّطة؛ وتَصدان عَميم هِممِهم «العَشوائية» عن قَدح زِناد؛ واستهلال مُهمة إِعداد سائر عَتاد عزيمة تحقيق سِياسية؛ وبدء انطلاقة نفرة توثيق انجازات رِيادية، لبنود قائمة أَجِندة أهدافهم المرسومة الطموح!

وهناك دَلالات ومَرامِي شتَّى؛ تتداخل وتتغربل مُجتمعة، وتتواكب مُتوافِدة، وتتشعب مُنقسِمة، في وَاسع حَلقات سِلسلة طويلة الذرع، في ظِل أَنماط، وطُول أَصقاع، مُختلف مَناحي الحياة المُعاشة…

ففي مَتن مَبادئ مَنهج عِلم الإقتصاد المعاصر - على سبيل المثال - لابُد أَن تجِد الدولة المستقلة مَخرجًا مُنجٍ؛ وتفتِّش عن ”موطئ قدم“ راسخٍ؛ لوقف زحف زلة رِجلٍ؛ واتقاء زَحلَقة حِملٍ؛ ودَرء خَلخَلة مُضطربة مُحتملة؛ لإِعادة استمرار واستدرار، ونُمو مُفردات اقتصادها المُتأَرجحة المُتذبذبة؛ وأَن تُعِد بحزم، وتُشمِّر بعزم عن مَفتول سَواعدها، بأَناة، ورَوية، ورَزانة، باعتدال سَوِيَّة مَدروسة؛ وانتحال تسوِية تصحِيحِية، لمِيزانيتها المالية العامة أولًا؛ وتُسَدِّدهما إُصلاحًا وَاعِدًا، ومُتثابرة نَاهِضة، بفَائق انتظام، وحُسن اهتمام؛ وتقوِّم أُصول وبُنود كَساد مِيزانها التجاري الراهن، لجانبه المَهِيض المُرتكِس المُنتكِس، بمَنأى حَازم عن اجترار وتَدوير كرَّة الإخفاقات الدورية التكسبية، وإِعادة الوَطأ العَشوائي الخَاطئ في سَائر مَهابط المُنزلقات المُتطرُّفة الخطِرة، وفي عُقر جِعاب مَوارد، وعُمق بُطون سِلال مَصادِر الدخل القومي، غير المُربحة؛ أو غير المُواكبة، لخطط ومُتطلَّبات، وتَطلُّعات، وطُموحات، ورُؤى مُستقبل الدولة الناهضة؛ أَو الانخراط في مَنظومات اقتصادية غير حَافزةٍ لخطط، ومشاريع، وبرامج ريع تنميتها المرسومة الشاملة. وعلى النقيض مِن ذلك التخبط، يحقق الاقتصاد المتنامي، بكَفاءة ونَباهة، سَير نسق أفاق مَندُوحَة التقدم المَأمول؛ ويَكفل رؤية انتعاش ملموسة، بجَدارة وصَدارة، مُواكبة لمَسيرة بُحبُوحَة النمو المُرتقب؛ ويَجلب - اقتصادها المتعافي - وَتيرة مُستدامة مِن رَفاهية رَغَد الإِزدهار الإِقتصادي، قلبًا وقالبًا!

وتَوسعًا، هناك سَيلٌ جارفٌ مِن الدَلالات والمُؤشرات الميكانيكية، ومثلها ”الخَدَماتية“ التي حَظيت مِؤخرًا، إِسمًا ورَسمًا؛ ونَالت أَصَالةً ومَكانة، بهَمر مَفَازات، وسِرب مَكاسِب، بمدِّ مَوطئ القدم، مُتأَصلة مُتجذرة، في سُمعة وشُهرة سَماء دُنيا الصناعة السائدة الرائدة؛ التي حَازت بصِيتٍ العراقة العالمية المَشهودة، ابتداءً بمَبلغ التطور الملحوظ، في بِناء وصِناعة، وتطوير وتحديث أَطوار، وأَنماط وأَجيال، مِن ”صيحات“ زخم المُعدات الثقيلة، ابتداءً بوسائل النقل الحديثة: كالطائرات، والقطارات، والمركبات... وانتهاءً بصناعة أَدق الأَجهزة الشخصية؛ ومِثلها كافة المستلزمات والأجهزة الإِلكترونية، والاستشعارية عن بُعد، والمُدعَّمة باّحدَث مُخترعات، ومُستجدات، وتقنيات الخاصية الرقمية العصرية ”الديجيتل“.

وهناك نوعٌ آخرٌ مُختلفٌ تمامًا، مِن ثَبات ورُسُوخ مَوطئ القدم الروحاني الدائم، تَطمح إلى ارتياد حِياضِه المُترَع؛ وتَتوق إلى اشتياق نيلِه المُشرَع؛ وترنو إِلى التشرُّف الشائق أَصالة؛ وتسمو إِلى التمدُّح السمِح سَماحة؛ المتوَّجان بنَعيم البصيرة والظفر؛ والمزدانان بمطلب مُرادِهما العطِر المعتبر؛ والمُختاران غَمرًا بنشوة عَميم الاستئناس؛ والمَحمودان، بسَعادة مُبتغاهما المحبوران، لثلةٍ موعودة مِن صُفوف المؤمنين الصابرين المُخلَصين؛ لينالونه، جَزاءً ومَثوبةً وشُكورًا؛ ويَسعدون رَدَحًا بالظفر والنصر الدائمين، بسابغ مَقامه عَطاءً مَحبورًا، ووِردًا مَوفورًا، في كَنف ظِلال فَسَاحة أَتدى عَرْصَاته الضافية؛ وحِجرٍ باردٍ، في فَيء وَسَاعة آفاق مَحموذة؛ وفي ظل مَراقٍ مَمدودة مَن الدار الحاضنة الباقية؛ وفي مَعمَعة زِحام، ذُهول ودَهشة، يوم الفزع الأَكبر؛ وفصل مُنتهى مَثواه المُشرق الأَغر الأَعطر، في أَجواء غَمرة النعيم المُنتظر - بأذن الله تعالى -... أَلا وهو عُلو شَأن، وسُمو مَنزلة، ورِفعة مَكانة ثُقل أَعمال الموازين الصالحة الراجِحَة؛ والتطلُّع الزاهد الراغب إِلى زَهو العِيشة الراضِية المَرضِيَّة، في مَقام أَعلى عِليين؛ وفي واسِع وشاسِع فِردوس جَنة النعيم، عَرضها السماوات والأَرض، في سُدة مَقام مَكين أَمين؛ عند حَضرة مِليكٍ جَبَّارٍ عَزيرٍ مَتينٍ!… «وقُل رَبِّ أَدخِلنِي مّدخَلَ صِدقٍ وَأَخرِجنِي مُخرَجَ صِدقٍ واجعَل لِي مَِن لَّدُنكَ سُلطَانًا نَصِيرًا».