كأنكم تقولون: ممنوعٌ على صاحب الدخل المحدود الزواج!
في خاطرة يوم أمس نصحتُ أصدقائي العزَّاب بالزواج، وجرت المقارنة بين ارتفاع كلفةِ الأشياء في الحياة وبقاء المهر أو الصداق في مبلغٍ معقول. ومع أنني قلتُ أن الزواج فيه أكثر من المهر، إلا أن بعض الأصدقاء أنكروا عليّ هذا القول: ماذا عن الإيجار؟ ماذا عن تكاليف المعيشة من ألفها إلى يائها؟ ماذا عن الأطفال؟ ماذا عن كيت وكيت؟
إذًا اليوم أسألكم أنا السؤالَ التالي: هل ممنوعٌ على صاحبِ الدخل المحدود أن يتزوج؟ أُغلقت عليه كلُّ الأبواب، فلا من بابٍ يمكنه أن يكسب منه ما يكفي لأسرة صغيرة؟ أصحاب الدخل المرتفع - فقط - هم من يتزوجون وينعمون بملذات الحياة؟
عشرات الأسئلة إذا كان الجواب عليها نعم، نصل إلى خلاصةٍ مفادها: أيها الشابّ، صاحب الدخل المحدود، لا تفكر في ملذَّات الحياة، عش ومت، لا زواجَ ولا خِلفة، ومع ذلك كن شابًّا دون مشاكل ومسالم يأمن المجتمع من شرورك وبوائقك. والشابَّات أيضًا، تبتلنَ، انقطعنَ عن الدنيا وتفرغن لعبادةِ الله، تكن صويحبات مريم العذراء في الجنَّة!!
ليت الحياة في هذه البساطة! لو كانت هناك سبل آمنة تحمي المجتمعَ من الانحطاط الخلقي والفساد، وترتقي بالشباب والمجتمع ككل، فأين الشرع والعقل منها؟ ولماذا حثَّ الشرعُ ورغَّب في الزواج ﴿وَأَنكِحُوا الْأالأيامى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ ؟
ألسنا عندما نسخف فكرةَ التشجيع على الزواج نسخف فكرة الحركة والكسب في الحياة؟ أنا شابّ أستطيع كسبَ ما أحتاج من أكلٍ وشرب وسكنٍ وملبس ومصروف، فلماذا المشي والسعي أكثر مما أحتاج ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾ ؟ أما إذا تأهلت فلا أوصد باب غرفتي ولا أجلس إلا بعد يومٍ طويل من التعب والمسؤوليَّة الزوجيَّة!
أجزم أن من يرد الرزقَ ويسعى له سوف يفتح الله له ألفَ بابٍ وباب! ومن يرد أن يحصن نفسه بالزواج يفتح الله له ألفَ بابٍ وباب! وما أغلقَ الله بابًا من أبوابِ الفسادِ إلا وفتح ألفَ بابٍ وباب من الصلاحِ والرشاد! عشرات الأشياء في الحياة يمكننا أن نحذفها من حياتنا ولا نشعر بذهابها، وبدلًا منها يذهب ما نصرفه فيها إلى ما هو أكثر إلحاحًا وحاجة، مثل الزواج والعيال!
ما دمنا بشرًا من لحمٍ ودم، فإن فينا غرائز تحتاج إلى تذليلٍ وصونٍ بالحلال، وإلا يكون فينا ما يكون في المجتمعات التي أشبعت تلك الغرائزَ كيف ما اتَّفق، وبالحلول التي تخترعها وتبتدعها! ما عدنا نقدر أن ندسّ رؤوسنا مثل النعاماتِ في الرمال ونكتفي بقول: يصلح اللهُ ما فسد! إلا إذا مزجنا ذلك القولَ بالعمل.