آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 8:37 م

المال وريادة الأعمال

الدكتور مصطفى المزعل * صحيفة مال الإلكترونية

يقع عنصر“التمويل المالي”في المرتبة الثالثة ضمن عناصر منظومة ريادة الأعمال الخمسة بنسبة %17,9 متجاوزاً عُنصرَي“السياسات”و”الثقافة والدعم”أهمية، هذان العنصران اللذان سبق الإشارة لهما في مقالات سابقة، حيث يأتي هذا المقال ضمن سلسلة مقالات عن منظومة ريادة الأعمال، وتصنيف عناصرها الرئيسية بناءً على نتائج بحثي للدكتوراه.

العديد من رُوّاد الأعمال يبدؤون مشاريعهم الخاصة بلا رأس مال، أو برأس مال بسيط من مُدّخراتهم، أو بتمويلٍ بسيط من العائلة ومحيطهم الاجتماعي، وفي حالات قليلة بتمويل كبير، خصوصاً عندما تنبثق المشاريع من شركات كبرى، أو من شخص له علاقاته الواسعة، وذو خبرة كبيرة في المجال، والتي تقود المستثمرين لاستثمار، وائتمان أموالهم من مرحلة الفكرة للمشروع.

كون أن التمويل المالي توسّط عناصر المنظومة من حيث الأهمية، فهذا يتوافق أيضاً مع ما نلحظه من طبيعة معظم الشركات الناشئة، والتي تتمكن من تأسيس نفسها مع انعدام أو قِلّة التمويل، إلا أن التمويل المالي يُصبح ضرورة للنمو والتوسع، وخصوصا لمن يسعى لتحقيق ذلك سريعاً.

العديد من المشاريع، وخصوصاً التكنولوجية، تتطلب فريق عمل موهوب، قد يتكون من مؤسِّسَين شريكين مع حواسيبهم، وهذا جُلّ رأس مالهم، «المعرفة والتقنية»، على أن يعملوا جاهداً لإثبات جدوى مشروعهم وإثبات نجاح منتج الحد الأدنى، وعند تأكيد المؤسّسين لجدوى فكرتهم وتطبيقها العملي، يسهل حينها إقناع المستثمرين بضخِّ أموالهم.

شركات الاستثمار الجريء قد تستثمر لاقتناعها بأن هذا المشروع وإن كان لا يدُرّ المال حاليًّا، إلا أنه في طور البناء والتأسيس السليم لِقيمة مستقبلية عالية للشركة، سواء كان ببناء شريحة عريضة من المستخدمين، أو بتطوير تقنيات سيكون لها شأن كبير مستقبلًا، كما هو في شركات مثل تسلا أو سبيس إكس، اللتان تُقيَّمان على أساس مستقبلهما المتوقع، والقيمة المضافة حينها، وهذا لا يراه إلا من يملك اطّلاعاً على آليّات استشراف المستقبل.

الأرقام تحكي أن احتمالية تدّرج شركة ناشئة صغيرة لأن تكون من كُبرى شركات العالم، كما فعلت أمازون مثلاً، احتمالية ضعيفة، وإن كانت غير مستحيلة، فالاحتمال والأمل الأكبر لهذه الشركات، هو في استحواذ شركات كبرى عليها، هذا إن نجحت ونمت من الأساس.

منظومات ريادة الأعمال الأقل نُضجاً في جانب التمويل، تسعى لتعويض ذلك بالمبادرات الحكومية، حيث تُقدم الحكومة الدعم المالي لسد فجوة التمويل من القطاع الخاص، وهذا الدعم إن كان من مصلحة المنظومة العامة، إلا أنه قد يؤثر سلباً على قطاع التمويل المالي الخاص.

إنّ وفرة وتعدد خيارات التمويل بمختلف أنواعه «الاستثمارات، القروض، المِنح»، يُشكل دعّامة قوية بلا شك لرواد الأعمال، لكن يبقى التمويل ليس أهم عناصر المنظومة، حيث أن هناك عنصران يتفوقان أهمية، ويشكلّان قاعدة وحجر أساس المنظومة، سيتم تسليط الضوء عليهما في المقال القادم، والتفكير في السؤال التالي سيقودنا لذلك، برأيك، أيهما يملك حظًّا أوفر في نجاح شركته الناشئة، رائد أعمال مُتسلّح بالعِلم، والخبرات، والعلاقات، والمهارات الشخصية، ولكن بلا رأس مال؟ أم رائد أعمال، يفتقر لكل ما سبق، عدا أنه يملك رأس المال؟

دكتوراه الإدارة الهندسية التكنولوجية