حوار ولي العهد والنقاشات الضرورية
مقابلة الأمير محمد بن سلمان مع مجلة «ذا أتلانتيك»، التي نشرت في شهر مارس الجاري، تكتسب أهمية بالغة على مستويات عدة: سياسية، دينية، قانونية، اجتماعية، اقتصادية.. وهي تستحق نقاشات جادة وموسعة من الكُتاب السعوديين، والتمعن فيما بين دفتيها من أفكار عامة ونقاطٍ بينيةٍ، لأن هذا النوع من المقابلات، تاريخيُ الطرحِ، مفصلي السياساتِ، يحتاج قراءات بصيرة، متأنية، غير مستعجلة، فالوقت للتأسيس المعرفي والفلسفي ل» رؤية المملكة 2030» وليس مجرد المطالعات العابرة، رغم أنه من حق السعوديين أن يفخروا أن لديهم رؤية مستقبلية طموحة، وهو الفخر الذي يجب أن يترجم على صورة وعي متزايد، وعمل مستمر من أجل تحقيق الأهداف المنشودة على أكمل وجه ممكن. إن ما يطرحه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، يحتاج وعياً من جميع الجهات والكُتابِ لماهية «الرؤية» والدور المنوط بهم تجاهها، والجرأة والدقة العلمية التي يقارب بها الأمير محمد بن سلمان القضايا المختلفة، حيث إنه يتعامل مع الملفات المختلفة بلغة صريحة وعلى مستوى كبير من الشفافية.
إن الدور الأهم للكتاب والمحللين ينبغي أن ينصب على التمعن في تفاصيل «رؤية المملكة 2030»، ومراجعتها منهجياً، وطرح أفكارها وخططها للنقاش العام، من أجل تحسين الأداء، وأن يكون تطبيق تلك التصورات في الجهات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني وفق معايير الجودة العالية، وأدوات الحوكمة المتبعة دولياً، والتي تسعى المملكة لتحقيقها. الأمير محمد بن سلمان، وعندما سأله الصحافي في «ذا أتلانتيك»، غرايم وود: هل تعتقد أنك جيد في التعامل مع النقد؟ أجاب الأمير: «شكراً لك على هذا السؤال، لو لم أكن قادراً على التعامل مع النقد لما كنت جالساً معك اليوم أستمع لهذا السؤال، والسؤال السابق والسؤال القادم الذي ستسأله». لقد كان ولي العهد صريحاً، مباشراً في إجابته، ولم يعتبر النقد مسألة قد تدفعه للنفور أو الضيق، لإدراكه أن القائد السياسي الذي يروم صناعة مستقبل ناجزٍ ومميزٍ لأمته، هو ذلك الذي يستمع لمختلف الآراء، ويجمع العقول المتعددة، ويتفحصُ وجهات النظر، فيختارُ منها أكثرها معقولية، ويعتبرُ النقد بمثابة المرآة، يأخذ الإيجابي منه، ويشيحُ بسمعه عن المغرضِ والسلبي! من هنا، أشار الكاتب مشاري الذايدي، في مقالٍ له بصحيفة «الشرق الأوسط» إلى أن «حوار ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان هذا، مشروع كبير، إن اشتغل العقلاء على تحقيقه فعلياً على الأرض، عنيت الجانب الفكري من الحوار»، مشدداً على أن «الأمر جدّ وليس هزلاً». الجدُ الذي يشير إليه الذايدي يتعلقُ بأن كل عملية إصلاح كبرى، تحتاجُ إلى رفدها اجتماعياً بتأسيس معرفي رصين، وهذا التأسيس يعمل على جعل أذهان الناس قابلة للتغيير من جهة، ومشاركة فيه عن قناعة من جهة أخرى. «أتصفحها جميعًا: تويتر، وإنستغرام، وغيرهما، ولذلك أريد فقط أن أكون واثقًا من أن فريقي الإعلامي يدرك أنني أقوم ببحث مستقل، أنا أقرأ أبل نيوز، وإنه أمرٌ رائع توفير كل هذه الصحف على تطبيق واحد، كما أقرأ بعض الصحف السعودية، والصحف العالمية»، يقول الأمير محمد بن سلمان في حوار «ذا أتلانتيك»، ما يعني أنه يتابع مختلف ما يُكتب، ويرى جميع الآراء، ولذا، من المهم على وسائل الإعلام والكتاب أن يطوروا طرائق التحليل، ويتنبهوا أن هنالك قيادة سياسية في المملكة، بعقلٍ حديث، منفتح، نقداني، مستقل، يروم الدفع بالمجتمع نحو الأمام، وأن تكون السعودية في مصاف الدول الأكثر تحضراً ونمواً. وهذه القيادة رأسمالها الحقيقي كما كررت في أكثر من مناسبة: الشعب، وتحديداً «الجيل الجديد» من الشُبان والفتيات، وهذا الجيل له لغته المختلفة وطريقة تفكير لا تؤمن بالمسلمات كما كانت الأجيال السابقة، بل يحتاجُ إلى تقديم المعلومة والبرهان، ولغة الإنجاز والأرقام، وهذا شيءٌ رئيس في صلب «الرؤية»، وصميمُ ما تحدث به ولي العهد في الحوار الذي يجب أن يقرأ أكثر من مرة، فهو بمثابة خارطة طريق لما سيأتي ويُنجز في مقبل الأيام.