آخر تحديث: 26 / 12 / 2024م - 8:23 م

الحرب الأوكرانية ومآلاتها

يوسف مكي * صحيفة الخليج الإماراتية

في الأسبوع الماضي، وضمن قراءتنا الاستشرافية، لتطور الحرب التي تشنها روسيا ضد أوكرانيا، أشرنا إلى أن المعركة التي باتت الآن تشارف نهاية أسبوعها الثالث، تتجه من الاستنزاف إلى الحسم، وأن الجيش الروسي لن يكتفي بمحاصرة المدن؛ بل سيقوم باقتحامها. كما أشرنا إلى أن الجيش الروسي، سيعمل على قطع الطريق الرابط بين أوكرانيا وبولندا، لحرمان الأوكرانيين، من الدعم العسكري القادم من الخارج، والذي يعتبره الروس، أحد أسباب فاعلية مقاومتهم للغزو.

وبداية الأسبوع الماضي، شهدنا توجهاً روسياً للمضي قدماً في سياسة القضم التدريجي للأراضي الأوكرانية، وأيضاً محاولة اختراق الدفاعات الأوكرانية، في معظم المدن الرئيسية المحاصرة، واحتلال البلدات القريبة منها، وبشكل خاص البلدات المحيطة بالعاصمة كييف. كما عمل الجيش الروسي، على قطع اتصال المركز، بالبحر الأسود وبحر آزوف.

الجديد خلال هذا الأسبوع، هو التركيز الروسي، على فتح ممرات آمنة للمدنيين، لمغادرة مسارح الحرب. والتهديد بالتعرض لقوافل الدعم العسكري القادمة من الخارج.

وإذا ما تمت قراءة هذه التطورات، أمكننا القول، إن الروس، حققوا تقدماً ملحوظاً في مختلف الجبهات، على الرغم من أنهم قدموا الكثير من الخسائر في الأرواح والمعدات. ويبدو أنهم مصممون على الاستمرار في هذه الحرب حتى إنجاز مطالبهم الرئيسية، التي حددها وزير الخارجية الروسي، لافروف في نزع سلاح أوكرانيا، والاعتراف بضم شبه جزيرة القرم للأراضي الروسية، وأيضاً باستقلال إقليم دباس، وتبني الحكومة الأوكرانية لسياسة الحياد والصداقة مع الاتحاد الروسي، واحترام الثقافة الروسية. وذلك يعني أن لافروف يطلب من الحكومة الأوكرانية، رفع الراية البيضاء والاستسلام من غير شروط.

المفاوضات التي جرت في بيلاروسيا، بين مندوبين عن الحكومتين الروسية والأوكرانية والتي بلغت أربعة جولات، لم تناقش حلولاً جوهرية للمعضلة. ولم يقدم خلالها المفاوض الروسي، ما ينم عن استعداده لتقديم أي تنازلات. وهو أمر لم يقبله الأوكرانيون، وسيواصلون رفضه، طالما امتلكوا القدرة على مواصلة القتال، وذلك أمر مشكوك في استمراريته، طالما استمر زخم الهجوم الروسي الراهن، على مختلف الجبهات الرئيسية، وبشكل خاص على العاصمة كييف.

اقترح الروس في تلك المفاوضات وجود اثني عشر ممراً آمناً، تتجه غالبيتها إلى بيلاروسيا وروسيا. لكن الوفد الأوكراني، تمسك بأن تكون مغادرة المدنيين، إلى بولندا. يرفض الروس ذلك، لأسباب عملية. فذاكرتهم لا تزال تستعيد موضوع الممرات الآمنة التي أنشئت على الأراضي السورية، وبشكل خاص تلك التي اتجهت نحو الأراضي التركية. فقد جرى تجنيد الكثير من النازحين، وعادوا إلى سوريا، في شكل منظمات إرهابية، أو في صيغة مقاومة مسلحة ضد الحكومة السورية.

إن نزوح المدنيين نحو أراضي روسيا وحليفتها بيلاروسيا، سيحول دون تمكن الحكومة الأوكرانية، من إعادة تجنيدهم للقتال ضد الجيش الروسي.

تطمح الحكومة الروسية، من تبنيها لنزوج أكبر عدد من المدنيين في المدن الأوكرانية، لتحقيق هدفين رئيسيين. الأول إنساني، ويتسق مع مبدأ عدم التعرض للمدنيين بالأذى أثناء الحرب، ويعفيها وإن بشكل محدود من الاتهامات المتكررة لها، بلامبالاتها تجاه أرواح الناس، من غير العسكريين. أما الهدف الثاني، فهو إطلاق يدها في اجتياح كييف والمدن الرئيسية مثل أوديسا وخاركيف ووماريوبول وأدويسا دون خشية من التعرض لعدد كبير من المدنيين.

هناك خشية من تدحرج الأمور في أوكرانيا، إلا ما يحمد عقباه، خاصة بعد التهديد الروسي، بمهاجمة القوافل المحملة بالمساعدات العسكرية، والقادمة من الخارج. وأيضاً الإعلان الروسي، عن مهاجمة معسكر، يتواجد فيه مستشارون من حلف الناتو. وتبادل التصريحات، بين أوكرانيا وروسيا، عن استقبال متطوعين من الغرب وأوروبا الشرقية لصالح أوكرانيا، ومن منطقة الشرق الأوسط، لدعم الجيش الروسي. إن هناك خشية حقيقية من انفلات هذه الحرب، وتمددها إلى مناطق أخرى بما سيهدد السلم العالمي، ويحمل مخاطر اندلاع حرب عالمية لا تبقي ولا تذر.

يبدو أن الأيام القادمة، ستكون صعبة جداً، على الجيش الأوكراني. وليس من المستبعد أن لا يمر وقت طويل إلا وتكون فيه كييف ذاتها في قائمة المصروفات الأوكرانية. وفي حال تحقق ذلك فلن يتبقى على الجيش الروسي، سوى ملاحقة الجيوب، المتبقية في البلدات والأرياف. وستتجه روسيا بعد ذلك، نحو العمل السياسي، ونتائج ما سيجري في هذا السياق، سيكون بالتأكيد رهن بعدم تدحرج الأمور إلى صراع إقليمي، وأيضاً لتوازنات القوى الدولية، ومستوى تأثير ردود فعل الغرب، على السياسة الروسية. وتبقى هذه القضايا مواضيع حيوية ومهمة، سوف تكشف عنها الأيام القادمة.