احترسوا من الحراميَّة في شهرِ رمضان!
حالتان رأيتهما خلال الثَّلاثة أيام الماضية، لم أكد أصدقهما! الأولى شابّ يعمل في شركة أرامكو السعوديَّة، حاصل على شهادة من جامعة بريطانيَّة محترمة، ومع ذلك كان يحمل هاتفًا من النوع القديم الذي لا يوجد فيه تطبيقات ”تواصل“. والحالة الثَّانية عندما زارني أحد الأصدقاء الشباب مع ابنه الذي يدرس في الصف السَّادس ابتدائية، وكان في يد الطفل كتاب يقرأه، وأيضًا الهاتف الذي لدى الطفل لا يحمل تطبيقات!
لا يمكن لعاقلٍ أن ينكر جمال ومنفعة هذه التَّطبيقات الحديثة ولا الأجهزة المحمولة، هي دِين وتجارة وعلم وثقافة وتواصل بين النَّاس. وهي أيضًا سارق كبير يسرق الحياةَ والعمر إذا سمحنا له بالسرقة. في مجموعات التواصل يوجد الآن من يعتبرون أنفسهم يعملون بدوامٍ كامل، تارةً يرسل خبرًا جديدًا وتارةً أخرى يرسل مقطعًا ممتعا، حتى تظن أن ذلك كلما يفعله بين طلوع الشَّمس وحتى السَّاعات المتأخرة من الليل!
إلى هنا أظنكم عرفتم أيّ نوع من السرّاق والحراميّة أعني! ليس الذين يستولون على المالِ وحاجات الغير خِفية. بل ذلك النوع الجميل الخفيف الظلّ، الذي هو في الجيب أصلًا، فلا يحتاج أن يمدَّ يدا. يسرق أثمن الأوقات، ليلة الجمعة، يوم الجمعة، أما شهر رمضان فهو أخصائي في سرقة الوقت فيه.
في هذا الأسبوع أنا مستمتعٌ بضيافة أحفادي، غير أني عاجز عن تقنين استخدامهم، صغيرهم وكبيرهم، لهذه الأجهزة التي أراها تسرق مواهبهم وتعليمهم وذكرياتهم الطفوليَّة. وليس هذا خاصًّا بالصغار، فنحن كبار السنّ لا نستطيع تقنين الوقت الذي نستهلكه في هذه الأشياء.
روى الإمامُ علي عليه السَّلام أن رسول الله «صلى اللهُ عليه وآله» خطب ذات يومٍ فقال: أيها النَّاس إنه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة، شهر هو عند الله أفضل الشهور، وأيامه أفضل الأيام، ولياليه أفضل الليالي، وساعاته أفضل الساعات، هو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله وجعلتم فيه من أهل كرامة الله، أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة، وعملكم فيه مقبول، ودعاؤكم فيه مستجاب... قال أمير المؤمنين «عليه السَّلام» فقمت فقلت: يا رسول الله! ما أفضل الأعمال في هذا الشهر؟ فقال: يا أبا الحسن أفضل الأعمال في هذا الشهر الورع عن محارم الله عز وجل.
هذا السارق يمكنه أن يكون صديقًا معينًا على فعل الخير، هو يحمل القرآن والكتاب المفيد وتحيات الأصدقاء والأهل الصباحية. فاجعلوه لكم وللأبناء والبنات أجملَ صديق! فكما نحمي أموالنا بحرصٍ شديد، يستحق وقتنا الحماية من السرَّاق والحراميَّة!