لماذا نجبر النَّاس أن يشتمونا؟!
النَّاس لحمٌ وعصبٌ ودم، إذا أُغضبوا كانت لهم ردّات أفعالٍ غير محسوبة! يطلع في الشَّارع مثل قرنِ الشَّيطان، لا تدري من أيّ زاويةٍ يطلع، قبل طلوع الفجر - النَّوم في أشهى لحظاته - صوت المذياع وصوت السيَّارة يعيد الأمواتَ أحياء. قائمة يطول سردها من الأفعال في الخارج نفعلها وكأننا نقول للنَّاس: هيَّا اشتمونا واشتموا أمنَّا وأبانا! ولكي لا يشعر الشبَّان بأنهم هم الوحيدون في هذه القائمة، أنا - ومن هم في عمري - نحتل مراكزَ متقدمة أيضًا، نقع في ذات الوحلِ ونجعل من أنفسنا مدعاةً للمسبَّاتِ والإهانات!
كفَّ أذاكَ عن النَّاس فإنه صدقة تصدق بها على نفسك.. من آذى مؤمنًا فقد آذاني.. أذلّ النَّاس من أهانَ النَّاس، هذه عينة من نصائح النبيّ محمد «صلى الله عليهِ وآله» وهي نصائح لا تعدّ في هذا الجانب. تصرفاتنا في الخارج إما أن تُغري من يراها أن يشكرنا ويشكر الشَّجرةَ التي أنبتتنا، أو - لا سمح الله - يشتمنا ويذمَّ الشَّجرةَ التي أنبتتنا.
لو دعا طيبُ أعمالنا النَّاس في الشَّارع ليشكرونا ويدعون لوالدينا بالرَّحمة فذلك ما نتوق إليه ونرغب فيه. قال أبو جعفر «عليه السَّلام»: ”أسرع الدعاء نجحًا للإجابة دعاء الأخِ لأخيه بظهرِ الغيب، يبدأ بالدعاء لأخيه فيقول له ملكٌ موكل به: آمين، ولك مثلاه“. إذًا، يصيبنا ويصيب والدينا الخيرَ الكثير حيين أو ميتين بسببنا!
وإن دعتهم أعمالنا ليشتمونا ويذكروا آباءنا وأمهاتنا بسوء، كنَّا سببًا في ذلك الشَّتم. قال رسولُ الله «صلى الله عليهِ وآله»: من الكبائر شتم الرّجل والديه، يسبّ الرّجلُ أبا الرّجل فيسبّ أباه، ويسبّ أمه فيسبّ أمه.
إذًا، هما خياران لا ثالثَ لهما: إما أن يحمد النَّاسُ أفعالنا ويعود النَّفع لنا ولوالدينا أو يشتمونا ويعود الضَّرر علينا والمسبة لوالدينا، فأي السلوكين نريد؟!
”ترك الشرّ صدقة“، حديث للنبيّ محمد «صلى الله عليهِ وآله»، فيه نصيحة من ثلاث كلمات تحكي كيف يجب أن يكون سلوك الإنسان مع غيره. ترك، الشرّ، صدقة. فقط دع ذلك السلوكَ السلبيّ وتربح أجرَ من أعطى صدقة! دلوني عليها إن وجدتم نصيحةً إنسانيَّة مختصرة أفضل من هذا الحديث، ولا أظنكم تجدون!
يشطّ بي الخيالُ أحيانًا ويدعوني لأظنّ أنَّ القاعدةَ التي نسير عليها في الشَّارع هي: لا تنفع وضر أينما استطعت. أرجو أن أكونَ بالغتُ كثيرًا في ذلك الظنّ، وأن الدّنيا ليست بذلك بالسوء!